موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الإثنين، ٧ أكتوبر / تشرين الأول ٢٠١٩
في حضرة يوم المعلم

رمزي الغزوي :

إذا كنت معلماً أو مديراً لمدرسة؛ فلربما ستنسى كثيراً من وجوه تلاميذك الذين يكبرون بسرعة، وتتغير سحناتهم وأشكالهم. لكنك مهما تفاقم فيك العمر وطالت بك الأيام، وأخذتك مهاجع النسيان، فلن تغيب عن ذهنك صورة معلم/ة تركت أثراً فيك ذات درس. فكم من أناس يمرون في شوارع حياتنا، وساحاتها ولحظاتها، لكنهم بعد سنة، أو أكثر، يذهبون أدراج النسيان، وتبقى صورة المعلم/ة خالدة في جدار الذاكرة.

فمن يجرؤ وينسى غيمة الطبشور الأولى في حياته؟!. الغيمة الصغيرة التي تكاثفت قرب سبورة سوداء، قرب معلمة جميلة تمطرنا بيلساناً وورداً، وتتصفح وجوهنا الصغيرة كقطط تسكتها الدهشة. معلمة تقترب بوداعة وأمومة وتمسح بقايا دموع عن صحن الخدود، لأننا للتو فارقنا أمهاتنا في البيوت، وجئنا لأول يوم في المدرسة، فوجدنا أماً جديدة.

بوسعي أن أنسى يوم وظيفتي الأول، وديوان شعري الأول، وكتابي الأول، وقصيدتي الأولى، ومقالي الأول، ويوم تخرجي من الجامعة، وبوسع ذاكرتي الغربالية، أن تسرّب كل الصور المختزنة فيها منذ سنين، لكني لن أنسى أبداً معلمتي الأولى.

في حضرة يوم المعلم، بودي لو أعرف عنوانها، لكنت زرتها مع أولادي، وقدمنا لها ورودنا وهدايانا، وقد ترى وجهي، في واحد منهم، وتقول هذا يشبهك تماماً أيها المشاكس. وقد تجفل مني، فالرأس الذي طالما مسدت شعره غزته الصحراء الآن، والوجه الذي مسحت عنه الدمعة، صار خشناً بشاربين. شكراً معلمتي. لقد تعبت معنا. وما زلنا نذكرك بكل جميل.

في هذا اليوم سنتذكر أصحاب الرسالات من المعلمين الذي مروا بنا. سنتذكر كل معلم متفان مشهود له بالرزانة والصدق وطيب المعشر. ونستذكر مواقفه في الدرس وخارجه، وأنه لم يفصل قوله عن فعله، وظل معلماً حقيقياً أينما حل وارتحل.

ونستحضر الساعة جيشاً من هؤلاء الكرام، الذين تزدحم بهم ذاكرتنا. فلا أجلُّ ولا أنفع من أن تشير بالخير وعطر الذكرى لنفوسهم العظيمة. فشكراً لمن بددوا ببياض الطباشير ظلمات نفوسنا وعقولنا. وسلام على الأصابع القوية الحنونة التي نسجت مستقبلنا. سلام على المعلمين الآباء والمعلمات الأمهات. سلام على من صبروا لنكبر بين أياديهم كزيتونة. وأرجو في هذا الصباح أن يكونوا قد عادوا إلى صفوفهم. فهم قبل كل شيء أصحاب رسالة قبل أن يكونوا أصحاب مهنة مثل كل المهن.

أرجو أن يكونوا الساعة في صفوفهم يصنعون ذاكرة طيبة في نفوس أبنائنا من جديد. سلام على المعلمين في العالمين.