موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
ثقافة
نشر الإثنين، ٨ أكتوبر / تشرين الأول ٢٠١٨
شاهر حجازين.. عندما كان المعلم معلما

فهد الخيطان :

كان يكفي أن تجلس في بستان عمي "أبو فيصل الخيطان" أو منزل عمي أشرف الخيطان رحمهما الله، لتسمع درسا بليغا في اللغة العربية. كان صوته جهورا ومتهدجا إلى الحد الذي يجعلك تسمعه مدويا في محيط مدرسة حمود الإعدادية.

أول من أمس وفي يوم احتفال الأردن بيوم المعلم، رحل عن دنيانا معلمي ومعلم أجيال من بعدنا المرحوم أستاذ اللغة العربية شاهر حجازين.

في المرحلتين الإبتدائية والإعدادية لم نعرف معلما للغة العربية غيره. وبالنسبة لي شخصيا لم يترك استاذ أثرا في حياتي مثلما ترك "أبو بشار".

معلم من ذلك الزمن الجميل، يحضر للمدرسة مرتديا اللباس الرسمي "البذلة" كل يوم، ويعتمر الشماغ الأبيض "القضاضة"، بهي الطلة، مهيب الحضور، لا تفارق الابتسامة وجهه. كنا نحبه لا نخافه، نحترمه لا نخشاه، لكن ذلك كان كافيا كي نكون في حالة امتثال واحترام لشخصه ودرسه.

لم يكن موظفا ينتظر فراغ الوقت كي يغادر الصف، كان معلما شغوفا باللغة العربية وآدابها ونحوها وصرفها. يحب قراءة الشعر بصوت عال. لا أذكر يوما أنه جلس على كرسي أثناء الحصة الدراسية، دائما ما كان يذرع الغرفة عرضا. يطرب من داخله وهو يردد أبيات الشعر وقصيدة "طلع البدر علينا من ثنيات الوداع" والويل لمن لا يحفظها ويلقيها بأسلوبه الفذ.

كان "أبو بشار" يحضر من بلدته السماكية إلى المدرسة يوميا مشيا على الأقدام، ولا أذكر يوما أنه تأخر دقيقة واحدة عن الطابور الصباحي. يعرف طلابه أكثر من ذويهم، ولا يحتاج لإذن أحد إذا ما رغب بتوجيهنا وتوبيخنا سواء تعلق الأمر بمادة اللغة العربية أو سواها من المواد والأهم المسلكيات.

كنت أحب اللغة العربية، وبشكل أدق هو من حببني بها، فقد أدرك في وقت مبكر أنني أجيد كتابة مواضيع "الإنشاء" بشكل خاص. وذات يوم طلب مني أن أقف أمام الطابور الصباحي لأقدم أحد المواضيع غيبا دون القراءة من ورقة.

كانت حصصه أول دروس لي في الصحافة، وأدركت ذلك لاحقا.

في زماننا الغابر لم نكن نحظى بمدارس مميزة ولاخدمات مدرسية فائقة الجودة، لكننا حظينا بمعلمين مؤمنين بمهنتهم، مخلصين لطلابهم ووطنهم. عندما كبرنا فقط تذكرنا كم كان هؤلاء يبذلون جهدا في تعليمنا وتربيتنا. دورهم يتعدى غرف الصف، ففي المجتمعات الصغيرة والريفية كان المعلمون أفرادا يعيشون بيننا، تلاحقنا عيونهم في الشارع والحارة، وإذا ما تقاعسنا في اليوم التالي عن أداء الواجب الدراسي، فإن كل لحظة مرح قضيناها في اللعب ندفع ثمنها في الصف.

قضى معلمي شاهر الحجازين عمره كله في التدريس، وبعد أن تقاعد من وزارة التربية، واصل العطاء في المدارس الخاصة. تخرج من تحت يديه المئات بل الآلاف من الطلاب. احتفلنا بصحبته ونحن طلاب مرات ومرات بعيد المعلم، فيومهم كان عيدا وطنيا بحق. وها هو أستاذنا الفاضل يرحل في يوم تكريم المعلم، لنبقى نذكره بفخر التلاميذ، معلما ومربيا أخلص لمهنته.

لروحه الطاهرة سلام.