موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الثلاثاء، ٦ أغسطس / آب ٢٠١٩
ثقافة الكراهية والتحريض... هنا وهناك

عريب الرنتاوي :

عندما وقعت أحداث الحادي عشر من أيلول/سبتمبر 2001، لم يبقَ مسؤول أمريكي واحد، أو مؤسسة أمريكية واحدة، إلا وانبرى (وانبرت) لنقد ثقافة الكراهية والتحريض على «الآخر» التي انتشرت وتوطنت في عدة دول ومجتمعات عربية وإسلامية ... وتحت شعار «لماذا يكرهوننا؟» جرت مراجعات شاملة لسياسات الولايات المتحدة الخارجية طوال نصف القرن الأخير ... وخلصت دوائر القرار الأمريكي إلى نتيجة مفادها: «أن بعض أصدقاء واشنطن كانوا أكثر خطراً عليها وعلى أمنها واستقرارها ومصالحها، من بعض خصومها وأعدائها التقليديين».

واشتقت الإدارة الأمريكية، سيما بعد مجيء باراك أوباما للبيت الأبيض، كثيرا من مواقفها وسياساتها من هذه «الرؤية الجديدة»، فتأزمت علاقاتها مع عواصم عربية حليفة على خلفية «حقوق الانسان» و»الدمقرطة والإصلاح السياسي»، ورصدت الخزانة الأمريكية مئات ملايين الدولارات لمحاربة التطرف والغلو وتجفيف منابعه وإطفاء بؤر الكراهية والتحريض، وظهرت نظرية في واشنطن، تحابي «الإسلام السياسي الشيعي» على حساب «الإسلام السياسي السني» بوصف الإرهاب الذي اجتاح الولايات المتحدة وأوروبا والعالم، في غالبيته العظمى، ينتمي لهذه المدرسة أو تلك من مدارس «الإسلام السياسي السنّي»، إلى غير ما هنالك من سياسات ومقاربات.

واشنطن ما زالت في عهد ترامب تتبنى بعض سياسات تلك المرحلة، ولكن من دون اهتمام بقضايا الحريات ونشر الديمقراطية وحقوق الانسان ... ما يهم ترامب وإدارته، هو خلق طبعة جديدة من «الإسلام السياسي» تعكف على إحداث التماهي مع سياساتها واستراتيجياتها في المنطقة، وقد أوكلت المهمة، لبعض حلفائها في الإقليم للقيام بها ... إذ ليس مسموحا التحريض على واشنطن وتل أبيب، أو نشر الكراهية ضدهما، على الإطلاق، ومسؤولية تمويل حملات تجفيف الموارد وإطفاء بؤر الكراهية.

بيد أن إدارة ترامب، وهي تشارك في إطلاق مشاريع كونية من هذا النوع، وتحث حلفاءها على رصد الموازنات المطلوبة لتحقيق هذا الغرض، كانت تبث بدورها «أبشع حملات الكراهية» والتحريض على «الآخر» المختلف في اللون والعرق واللسان والدين ... عادت «نظرية تفوق الرجل الأبيض» تطل برأسها الكريه، وأُعيدت عقارب الساعة إلى الوراء سنوات وعقود، من احتقار المرأة في بعض خطابات الرئيس وإيحاءاته، إلى السخرية من «السود والملونين» مروراً بمطاردة المهاجرين والحرب على «اللاتينيين»، وعطفاً على حملات التحريض ضد الإسلام والمسلمين التي انتعشت كما لم يحدث من قبل.

في ترجمة لثقافة الكراهية والتحريض هذه، والتي يتولى كبار أركان الإدارة، وفي مقدمهم الرئيس شخصياً ... انتقل المجتمع الأمريكي إلى حالة جديدة، غير مألوفة، من الاستقطاب والانقسام ... وتعمقت النظرات العنصرية هنا وهناك، وبدأ البعض يمارس ما يعتبره «حقاً للرجل الأبيض» في تطهير البلاد من رجس المهاجرين والملونين والمسلمين ... وما حصل في بلدتي «إل باسو» و»دايتون»، من مجازر أودت بحيوات ما يقرب من ثلاثين انساناً وجرج ما يزيد عن الخمسين منهم، مضافاً إلى ما وقع خلال العامين الفائتين من جرائم متنقلة على خلفية «عنصرية» وبدافع «الكراهية»، إنما يمثل «الثمرة المرة لحملات التحريض وثقافة الكراهية التي يبثها الرئيس وصحبه، والتي طاولت أعضاء وعضوات منتخبين في الكونغرس من ذوي البشرة غير البيضاء، واشتملت على تحقير لهم، واتهامات تصل حد الخيانة، وسخرية طافحة بالعنصرية من الدول والمجتمعات التي جاءوا منها.

الولايات المتحدة لم تبرأ بعد من جرح «11 سبتمبر»، ومع ذلك، لا يوجد في تاريخ الولايات المتحدة المعاصرة رئيس واحد، أشاع الكراهية وحرض على إقصاء الآخر، كما فعل ويفعل دونالد ترامب، فهل ثمة حاجة لـ»جاستا» امريكي ثانٍ، تستند إليه عائلات ضحايا «دايتون» و»إل باسو» وغيرهما، ممن سقطوا ضحية هذه المواقف المنفلتة من كل عقال أو ضوابط، وتلك التصريحات السائبة، التي لا رقيب عليها ولا حسيب، وتصدر مباشرة من أعمق مكامن «الغريزة» وأكثرها ظلماً وظلمةً، إلى ملايين المتابعين على «تويتر»؟

(الدستور الأردنية)