موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الإثنين، ٨ ابريل / نيسان ٢٠١٩
تنمر وترهات فيسبوكية

جهاد المنسي :

أكاد أتقيأ وأنا أقرأ وأطالع تعليقات تكتب عبر المتصفح الأزرق (فيسبوك) حول مواضيع جدلية أو غير جدلية، لا فرق، ومن شدة القرف والسم الذي ألمسه بتعليقات البعض أكون مضطرا لعدم المتابعة، ويصدمك حجم التنمر والكراهية التي تفوح من بعض التعليقات، واستمراء مصادرة الرأي الآخر لو جاء مخالفا لما كتب أو خارج سياق المنشور.

لا أقصد بكلامي حدثا بعينه، ولا موضوعا محددا، وإنما اتحدث متألما لما نعانيه من سم يراق من مداد البعض بكل شاردة وواردة، سم من شأنه لو تواصل دون وضع حد له أن يفتت المجتمع ويقسمه، ويعيدنا لتنمر وكراهية، ومصادرة حريات.

حقيقة الأمر، أنه لو أراد البعض ملامسة ذلك ومشاهدته بأم العين فما عليه إلا تصفح هذا العملاق الازرق لدقائق لمعرفة حجم الكره والتطرف والتشويه والاقليمية والتنمر والعنصرية والجهوية الذي يمارسه البعض، وسنعلم حجم رفض بعض المتصفحين للتنوع المجتمعي والرأي الآخر، ومدى تحجيم الفكر والمعتقد، وشن حملات مسعورة ضد كل من يطرح رأيا مخالفا لجموع الناس أو لنقل للمتصفحين المفترضين.

المؤلم أن هذا “فيسبوك” الذي يستخدمه سواد شعوب العالم (غير العرب) لمعالجة قضايا فكرية وانسانية واخلاقية، ويتعاملون معه كمنصة لمحاربة التطرف والتنمر والإرهاب والفكر المارق والكتابات التكفيرية، ورفض انتهاك حقوق الطفل والمرأة، وشن حملات تحشيد بقضايا مجتمعية، وغيرها من حقوق انسانية، بات يستخدم من قبل بعضنا (وهم كثر) لبث وعزف كل سيمفونية جهوية واقليمية وعشائرية وتقسيمية، وتنمر مجتمعي، وفكر جندري مقيت، ورفض للآخر، ونشر اشاعات كاذبة دون تمحيص او تدقيق.

الشواهد عما اشرنا وذهبنا اليه كثيرة، والملاحظات التي يمكن رصدها متعددة، فما علينا إلا رصد ما يطرح من قضايا عبر المتصفح الازرق حول قضايا مجتمعية مختلفة حتى نشهد طروحات مقيتة ونفسيات تقطر سما، وكلمات لا تبني وطنا، ولا تعزز مؤسسات، وافكارا ركيكة مهمتها مهاجمة الآخر والنيل من كل مؤسسة منتخبة كمؤسسة النواب أو النقابات أو الأحزاب أو الاندية او البلديات دون غيرها!، كما سنعرف مستوى التدهور الاخلاقي والالفاظ السوقية التي يستخدمها البعض ممن باتوا يتوسعون وينتشرون بشكل لافت.

لو تابعنا ما نشر مؤخرا حول قضايا سياسية خلافية أو اقتصادية أو مجتمعية أو التعليق على تغييرات وتعيينات هنا أو هناك، أو مباريات كرة قدم، في كل تلك القضايا كنا نشهد كراهية تقطر من معلقين وناشرين على حد سواء، واولئك لو ترك لهم العنان وبات المتصفح الازرق ملكا لهم سيذهبون بنا لمطارح لا نريد الوصول اليها ابدا.

من يهاجم مجموع الناس دون تخصيص، ومن يعتقد أن من حقه النيل من كراماتهم واتهامهم دون ضبط كأنه يشعل عود ثقاب في كومة قش، ولذا فإن مثل اولئك المارقين يتوجب وضع حد لهم، باعتبارهم يثيرون فتنة مجتمعية، ويخرقون خطوطا حمراء لا يتوجب الاقتراب منها.

حقيقة الامر أن التحشيد ونقل الاشاعات التي يتفنن بها البعض واجتزاء الحقائق، واستحضار تعليقات جهوية وقبلية واقليمية وعنصرية وجندرية وعشائرية أمر يفطر القلب ويغيب لغة العقل ويبعدنا عن طرح قضايا جوهرية للنقاش والحوار وتبادل الافكار حولها، فمثل تلك الاشكال القمعية التي تمارس على جدران المتصفح الازرق ستبعدنا يقينا عن فكر الدولة العصرية المدنية التي نريد والتي كان يتوجب أن يكون الحوار الفيسبوكي حولها وحول آليات الخروج من عنق أزمة اقتصادية خانقة، وسبل مواجهة صفقة قرن قادمة، ووقف اندفاع الحكومات المتعاقبة على جيب المواطن، والحد من توسع الفساد والافساد، وسبل الوصول لقانون انتخاب عصري يقبل به الجميع.

دعونا نطلقها قولا واحدا، وصوتا واحدا، وبصوت عال، أننا لا نريد أن يكون المتصفح الأزرق وسيلة للتشكيك بولاءات الناس أو حبهم لبلادهم، أو تهديدهم، أو التنمر عليهم، أو سبيلا لتوسيع قاعدة الولاءت الفرعية دون الولاء للبلد وترابه.

(الغد)