موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الخميس، ٢٠ يونيو / حزيران ٢٠١٩
تفتيت المفتت مع الجمعيات الخيرية

رمزي الغزوي :

على خبر تسجيل 300 جمعية خيرية جديدة في هذا العام فقط!، سنتذكر اتهمنا الإنجليز بأنهم أصحاب نظرية (فرّق تسُد)؛ لأنهم جرحوا خارطة وطننا العربي بسكين (سايكس- بيكو). وبسياسة مغايرة اتهمناهم أيضاً بأنهم مهندسو نظرية (جمّع تسد) التي أسهمت بتأسيس جامعة الدول العربية.

قريباً من وجع الرأس هذا، سيوجعني أكثر ألا أطرح سؤالاً مُراً يمضغني منذ سنوات: أية سياسة متناقضة نتخذها في التوسع العشوائي في تأسيس جمعياتنا الخيرية؟ وأية فوائد من خطخطتها بسكين البلاهة والغباء؛ كي نصاب بتخمة العدد الموازي للخواء؟.

في واحدة من قرانا أعرف أسرة تأسس في أكنافها خمس جمعيات، كل فرد رئيس لواحدة. الأب لجمعية كذا، والأم نائبة والأبناء أعضاء. والأم رئيسة جمعية كذا مذا، والأب نائب والأبناء أعضاء. والبنت الكبرى رئيسة لأخرى، والأب والأم نائب وأعضاء، وهكذا حتى نهاية المهزلة التراجيدية.

فهل خطر هذا (التفتيت الممنهج) على بال الإنجليز؟ أم أنه لا يخطر حتى على بال شيطان يقظان. فالحصيلة أننا أصبحنا أكثر فردية وأنانية، وغدونا جزراً معزولة تقترب من مصالحها الشخصية بحجة رسمية.

قبل سنة تنبأ وزير التنمية الاجتماعية أن يصل عدد الجمعيات في عجلون إلى 200 واظنه قد وصل وناف عن هذا العدد. وهذا وضعٌ يضع العقل في الكف. فهل تحتاج محافظة صغيرة إلى هذا الكم من الجمعيات؟ ولو كانت فاعلة وخيرة، فلماذا ما زالت عجلون في ذيل التنمية متمرغة بالفقر؟

سنتخذ مقولة (إذا عُرف السببُ بطل العجب) لنفسر هذا (الانشكاح) الكبير في التراخي بتأسيس الجمعيات.

لا أتهم أحداً، ولكني أصف المشهد البائس بطل ظلاله. علما بأن عجلون من أقل المحافظات تأسيساً للجمعيات. ولهذا أصرخ: أي قانون؟ وأية حرية منحت هذا الكم الهائل ليتناسل في مجتمع انعدمت فيه روح التطوع، حتى غدا لاهثا نحو الفردية.

الاصل في الجمعيات أن تكون من مؤسسات المجتمع المدني الفاعلة، لكن بعضها بات جسرا مربحاً للفردية. فكيف تكون عضواً في جمعية، وأنت قادر أن تصبح رئيساً للأبد لجمعية جديدة، والأمر لن يكلفك إلا توقيع أسرتك، لتكون الزوجة أمينة للسر، والابن البكر نائبا والأولاد أعضاء. لكني لا أضمن ألا تباغتك الزوجة وتؤسس جمعيتها الخاصة وتتكرم عليك بعضويتها.

الجمعيات الخيرية ملف عويص مشتبك بحاجة لقوة ولشجاعة ليفتح بشفافية وينبش، ليتم تخليص المجتمع من عوامل تفتيته وتضعيفه وتقزيمه. وليتم قطع الطريق على مزيد من الفردية والفوضى.

(الدستور الأردنية)