موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر السبت، ١٠ فبراير / شباط ٢٠١٨
بعد 5 سنوات على استقالته، البابا بندكتس يقدم محبته للكنيسة

بقلم: أندريا تورنييلي ، ترجمة: منير بيوك :

 

"كان هاتفي اللاسلكي معي. حين أتت هذه المكالمة فقمت بتمرير الهاتف إلى البابا بندكتس وسمعته يقول: ’قداستك، أعدك من الآن بطاعتي التامة وصلواتي‘. هذه لحظات لا أستطيع نسيانها...". كانت هذه كلمات البابا الفخري الأولى لخليفته فرنسيس في عشية يوم انتخابه. قال ذلك مباشرة بعد العشاء باستخدام هاتف لاسلكي. استطاع راتزينغر أن يكرر لأسقف روما المنتخب حديثًا الكلام الذي قاله في اجتماعه الأخير مع الكرادلة قبل مغادرته الكرسي الرسولي، قبل أن يعرف من سيكون خليفته. قال لهم: "من بينكم سيكون أيضًا بابا المستقبل الذي أعهد له بتقديري وطاعتي بدون شروط".

 

أما المونسنيور ألفريد زويرب، السكرتير الخاص السابق لبندكتس السادس عشر (2007-2013) ولفرنسيس في الأشهر الأولى والذي يشغل الآن منصب الأمين العام للأمانة العامة لشؤون للاقتصاد، فإنه يخبرنا بالتفصيل ما حدث في كاستل غاندولفو في أمسية الثالث عشر من آذار 2013. فقد أجرى اليساندرو جيسوتي، مراسل الفاتيكان نيوز، مقابلة مع زويرب.

 

"ما هي أكثر اللحظات حسمًا؟" يقول زويرب: "من الواضح أن تلك مرتبطة بتنحيه. أذكر جيدًا يوم الخامس من شباط 2013 عندما دعاني البابا بندكتس إلى الجلوس في مقره، وأعلن عن القرار الكبير المتعلق بتنحيه. في البداية، كان من الطبيعي أن أسأله: "ولكن لماذا لا تفكر في الأمر قليلاً؟ ولكن بعد ذلك امتنعت عن تكرار السؤال لأنني كنت مقتنعًا بأنه كان يصلي لفترة طويلة. وعلى عكس ذلك، تم إطلاعي في تلك الفترة على بالتفاصيل. فلفترة طويلة إلى حد ما، قبل أن يبدأ الاحتفال بالقداس في كنيسة خاصة، ظل في السكريستيا يصلي لفترة طويلة. وعلى الرغم من أن الساعه قد أشارت إلى بدء القداس، إلا انه تجاهلها وبقي غارقا بالصلاة أمام الصليب في السكريستيا. اعتقدت عندها أنه كان يصلي لشيء مهم جدًا. وفي الخامس من شباط، عندما كنت أستمع إلى قرار البابا بندكتس الكبير، قلت في قرارة نفسي "على الأرجح، كان يصلي لهذا السبب بالذات! ثم، بطبيعة الحال، كانت لحظة حاسمة أخرى عند الإعلان العام بشأنها خلال اجتماع مجلس الكرادلة في 11 شباط. بكيت طوال الوقت، وحتى أنه أدرك خلال فترة تناول العشاء أنني كنت منفعلاً جدًا وقلت له: "أيها الأب الأقدس، هل كنت هادئًا ومطمئن البال؟ فأجابني حازمًا بكلمة "نعم"، لأنه قد أتم بالفعل عمله. كان هادئًا على وجه التحديد لأنه كان متأكدًا من أنه قد دقق بالأمر جيدًا وأنه كان في سلام، وطبقًا لإرادة الله!".

 

يستكمل المونسنيور المالطي حديثه في المقابلة قائلاً "كانت لحظة تنحيه حاسمه بالنسبة لي، لأنه قال لي مرة أخرى ’سوف تذهب مع البابا الجديد‘. وهكذا، عندما تم انتخاب فرنسيس حبرًا للكنيسة، كتب رسالة له يكرر رغبته  في حسم الأمر فيما إذا كان بحاجة لي. وعندما حان الوقت لمغادرة كاستل غاندولفو للذهاب مع البابا فرنسيس من أمانة سر الدولة، قالوا لي: "إحزم حقائبك على عجل، لأن البابا فرنسيس يفتح المراسلات من تلقاء نفسه". دخلت مقر البابا بندكتس لأصرح بذلك وطلبت منه أن يباركني. انتصب واقفًا بهدوء شديد في حين كنت جاثيًا على ركبتي، ثم منحني البركة وسمح لي بالإنصراف".

 

يقول زويرب إنه التقى مؤخرا بالبابا الفخري. "لقد دعاني يوم عيد ميلادي (الرابع عشر من تشرين الأول) للاحتفال بالقداس ثم بتناول وجبة الإفطار. وجدت أنه يتميز بعقل حيوي جدًا، وقد سألني في أمور كثيرة... إن النظرات التي رمقني فيها خلال الإفطار جعلتني أفكر، كم أنا سعيد في أن أراك مرة أخرى! وقد تذكر أيضا تفاصيل كثيرة جدًا عن عائلتي، وأمي، وحتى قططها! من الواضح أنه كان هزيل الجسد. أنه بالفعل يقترب من الواحد والتسعين من العمر، وحتى والدتي، التي تبلغ إثنين وثمانين من العمر، فهي ليست في نفس حالته الجسدية!".

 

وفيما يتعلق بتنحيته، فقد وصفها زويرب بأنها خطوة "عظيمة وبطولية": "فقد أدرك بصورة خاصة أثناء الرحلة إلى المكسيك أنه لم يعد قادرًا على القيام برحلات طويلة. وحين اقترب موعد اليوم العالمي للشباب في البرازيل، أدرك أنه لم يعد قادرًا على السفر، وعلى القيام بكل هذه المجهود... ولذا فقد قام بعمل بطولي برأيي، لأنه بالأحرى قدم الأولوية للكنيسة ولحبه للكنيسة الذي كان أكبر بكثير من الحب لنفسه ومن أنانيته. لم يكن يكترث بما يمكن أن يقوله الناس عنه في أنه لم يكن لديه الشجاعة للمضي قدمًا... وكان دائم الهدوء، لأنه أدرك أن الله قد طلب منه القيام بهذا العمل حيث تكون محبته للكنيسه أكثر من محبته لنفسه".

 

وفي  معرض حديثه عن العلاقة الودية التي تربط بندكتس مع خليفته، قال زويرب: "قبل أن يخرج البابا فرنسيس أمام العالم من ردهة كنيسة القديس بطرس، كان يحاول الإتصال مع البابا بندكتس ليقدم له التحية. كنا في غرفة التلفزيون وكان الهاتف صامتًا بصورة دائمة، لذلك لم نسمع ذلك، وهذا ما يفسر تأخر البابا فرنسيس في الرد عليه.

 

ثم اتصلوا بنا مرة أخرى خلال العشاء وسألونا: "لكن أين أنتم؟ كنا أمام التلفزيون!"، سيدعوكم البابا فرنسيس بعد العشاء". أخذت هاتفي اللاسلكي معي. وتأتي هذه المكالمة الهاتفية وأمرر الهاتف إلى البابا بندكتس السادس عشر وأسمعه يقول: "قداستك، أعدك من الآن بطاعتي التامه وصلواتي". هذه لحظات لا أستطيع نسيانها.

 

وأخيرًا، أكد السكرتير الخاص السابق للبابا راتزينغر قراره "بالعيش في حالة انعزال بصورة خاصة من أجل أن يكون قادرًا على التحضير للقاء الأخير مع الرب"، وذلك بـ"العيش مع روحانية عميقة، وتقديم الصلوات، وتقديم صحته الهزيلة لصالح الكنيسة، والبابا".