موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأربعاء، ١٤ أغسطس / آب ٢٠١٩
انتقال مريم العذراء الى السماء.. العيد الذي تحول الى عقيدة

المطران باسيليوس يلدو :

يعتبر عيد انتقال مريم العذراء بالنفس والجسد الى السماء، من أكثر الأعياد قدمًا للعذراء مريم وقد تحول الى عقيدة الانتقال بالنفس والجسد يعني "بكامل كيانها البشري".

خصص يوم 15 آب، يسبقه صوم مدته 14 يومًا، عيدًا لانتقال العذراء مريم الى السماء، وعمّ هذا العيد الإمبراطورية البيزنطية ما بين 588-603، وادخله إلى كنيسة روما البابا تيودورس الأول (642-649)، وهو بالأصل من أورشليم. وجاء تقليد هذا العيد بعد أن كانت كنيسة القدس تقيم منذ القرن الخامس الميلادي بمثل هذا اليوم (15 آب)، عيدًا لوالدة الإِله، عُرف فيما بعد بعيد "رقاد مريم"، ثم بعيد "انتقال القديسة مريم"، منذ القرن الثامن الميلادي.

والجدير ذكره أنّه عام 1638 أعلن الملك الفرنسي لويس الثالث عشر السيدة العذراء "حامية المملكة"، وتحوّل تاريخ 15 آب عيدًا وطنيًا. وانتقل هذا التكريم لاحقًا إلى عدد من الدول المجاورة، إلى أن انتشر في أوروبا بكاملها وفي عام 1672، تبنّته الكنيسة الأرثوذوكسية هي أيضًا وثبتّته في 15 من شهر آب.

ونظرًا لانتشار العيد في ارجاء المعمورة فقد ثبتته الكنيسة الكاثوليكية بعقيدة ايمانية راسخة وثابتة واعتبرته من اهم العقائد المسيحية في الكنيسة الكاثوليكية والارثوذكسية بما يخص مريم العذراء. وقد أعلنها قداسة البابا بيوس الثاني عشر سنة ١٩٥٠ وذلك في إرشاده الرسولي في 1 تشرين الثاني عام 1950 بحضور 500000 شخص في ساحة القديس بطرس في الفاتيكان ذلك اليوم، قائلاً: "نؤكد ونعلن ونُحَدّد عقيدة أوحى بها الله وهي أن مريم أم الله الطاهرة مريم الدائمة البتولية، بعدما أتمت مسيرة حياتها على الأرض، رفعت بالنفس والجسد إلى المجد السماوي".

لا يعطينا الكتاب المقدس أية معلومات عن انتقال العذراء مريم بالنفس والجسد إلى السماء، ولكنّ الإصحاح الثاني عشر من سفر الرؤيا يتحدث عن امرأة عالقة في معركة بين الخير والشر: "وظهرت آية عظيمة في السماء: إمرأة ملتحفة بالشمس والقمر تحت قدميها، وعلى رأسها إكليل من اثني عشر كوكبًا، حامِلٌ تَصرُخُ من ألم المخاض… فوضعت ابنًا ذكرًا، وهو الذي سَوفَ يَرعى جَميعَ الأُمَمِ بِعَصًا من حديد" (رؤيا يوحنا ١٢: ١-٢ و٥). إن عظمة مريم، أُمّ الله، الممتلئة نعمةً، والخاضعة بالكامل لعمل الروح القُدُس، تعيش في سماء الله بكامل كيانها، نفسًا وجسدًا.

الإيمان بأنّ العذراء مريم بعد وفاتها بفترة قصيرة، قد نُقلت إلى السماء بالنفس والجسد هو جزء من تعليم الكنيسة الكاثوليكية منذ القرون الأولى للمسيحية. كما تعتقد الكنيسة القبطية الارثوذكسية أن الانتقال قد تمّ بعد عدة أشهر من وفاتها وليس بعد فترة وجيزة، وقد اكتشف في القرن السادس المكان التقليدي المسمى "قبر العذراء الفارغ" وشيدت هناك كنيسة رقاد العذراء التي لا تزال حتى اليوم المكان التقليدي الذي شهد انتقالها، علمًا أنه يذكر في الكتاب المقدس عدد من الشخصيات التي رفعت أو انتقلت بدون موت إلى السماء كالنبي ايليا واخنوخ.

لا نعلم ظروف ومكان وفاة العذراء مريم، ولكن منذ القرون الأولى للمسيحية ظهرت العديد من الروايات والقصص التي تتحدث عنها وعلى وفاتها ونقل الملائكة لجسدها إلى السماء! وهذا ما نجده في كتابات الاباء ايضا مثل (بوحنا الدمشقي) وفي لوحات الفنانين المسيحيين المشهورين مثل (الرسام الإيطالي تيتسيانو فيتشيليو استغرق عامين (1516-1518) لإنجاز جدارية انتقال مريم العذراء). كما يقول التقليد أنّها توفيت في أورشليم، بينما يشير تقليد آخر إلى أفسس التي يقال أنّها قد عاشت فيها مع التلميذ الذي كان يحبه يسوع (يوحنا) لفترة وجيزة قبل وفاتها وانتقالها بالنفس والجسد الى السماء. والذي يهمنا هو ايماننا بانه حيثما يكون الابن هناك تكون امه.

بالختام يمكننا القول بان إنتقال العذراء مريم بالنفس والجسد مشاركة فريدة في قيامة ابنها وصعوده بالمجد نفسًا وجسدًا إلى السماء، وإستباق لقيامةِ القلوب ومشاركةِ النفوس المفتداة بدمِ ابنها في الأمجاد السماويّة، ولقيامةِ الأجسادِ في نهايةِ الأزمنة للمشاركة في هذا المجد. هكذا آمنت الكنيسة على مر العصور "أن أُمَّ الله الطاهرة، في ختام حياتها الأرضية، قد نُقِلَتْ نفسًا وجسدًا إلى المجد السماوي، لتشاركنا أيضًا مع ابنها في القيامة".