موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
حوار أديان
نشر الخميس، ٤ يوليو / تموز ٢٠١٩
المعاناة الفظيعة للمهاجرين العالقين في ليبيا

باريس - أ ف ب :

تؤكد منظمات غير حكومية أن المهاجرين العالقين في ليبيا يعانون من تجاوزات فظيعة تتراوح بين الخطف والتعذيب وأعمال السخرة وسؤ التغذية، وتحمل مسؤولية ذلك الى سياسة الهجرة المتفق عليها بين الدول الأوروبية والليبيين.

وللدلالة على حجم هذه المعاناة وزعت منظمة سي ووتش الألمانية شريط فيديو تم تصويره من الجو، يظهر فيه مهاجر يقوم في منتصف أيار الماضي برمي نفسه في الماء من زورق متهالك وهو في عرض البحر، عندما شاهد خفر السواحل الليبيين يقتربون، مفضلا تعريض حياته للخطر عبر محاولة الوصول الى سفينة تجارية، على العودة الى ليبيا.

وتكشف هذه الحادثة حجم اليأس الذي يصيب المهاجرين العالقين في ليبيا وغالبيتهم من الأفارقة من دول تعاني من الاضطرابات مثل السودان واريتريا والصومال. فهم مستعدون للمجازفة بكل شيء للخروج من مراكز الاعتقال في ليبيا، البلد الذي يعاني من فوضى أمنية كبيرة.

وجمعت صحافية ايرلندية في شريط فيديو صورا مريعة عن معاناة المهاجرين في سجون سرية تقع تحت سيطرة مهربي بشر، وقامت القناة الرابعة ببثه في شباط الماضي. وهو يعطي فكرة واضحة عن أعمال التعذيب التي يتعرض لها المهاجرون لإجبار أهاليهم على دفع فديات مالية مقابل إطلاق سراحهم.

ويظهر في شريط الفيديو شاب ملقى شبه عار على الأرض وهو يصرخ من الوجع لقيام رجل بحرق رجليه بآلة لحام، بينما يقوم آخر بتوجيه مسدس الى صدغه. كما يظهر مهاجر آخر وهو معلق بسقف غرفة وقميصه حمراء اللون من الدم، ومسدس مصوب الى رأسه. وفي مشهد ثالث يظهر شاب ملقى أرضا ومقيدا بالحبال وهو يجلد بسوط على رجليه في حين وضع حجر ثقيل على ظهره لمنعه من التحرك.

ووصلت مأساة المهاجرين العالقين في ليبيا الى ذروتها ليلة الثلاثاء الاربعاء عندما قتل أكثر من 40 منهم وأصيب نحو مئة نتيجة غارة جوية استهدفت مركزا للمهاجرين في تاجوراء قرب طرابلس، اتهمت حكومة الوفاق الوطني قوات المشير خليفة حفتر بالمسؤولية عنها. لكن الأخيرة نفت.

وتفيد أرقام الأمم المتحدة أن خفر السواحل الليبيين أعادوا منذ كانون الثاني/يناير الماضي أكثر من 2300 شخص الى ليبيا، بينما كانوا يحاولون الانتقال الى أوروبا، وتم نقلهم الى مراكز اعتقال.

وقال الاربعاء لوكالة فرانس برس جوليان رايكمان رئيس بعثة منظمة أطباء بلا حدود في ليبيا "أعاد خفر السواحل الليبيون بدعم من الاتحاد الاوروبي أكثر من ألف شخص منذ بدء النزاع الاخير في ليبيا في نيسان 2019. وبعد إعادتهم الى البر الليبي ينقلون الى مراكز اعتقال مثل ذلك المقام في تاجوراء" والذي تعرض للقصف الجوي.

وتفيد أرقام منظمة الهجرة أن ما لا يقل عن 5200 شخص محتجزون حاليا في مراكز اعتقال في ليبيا. في حين لا توجد أرقام حول المهاجرين المحتجزين في مراكز سرية بأيدي مهربي بشر.

ويقدم الاتحاد الاوروبي دعما لخفر السواحل الليبيين لمنع انتقال المهاجرين من الشواطىء الليبية الى ايطاليا. وفي عام 2017 تم التوقيع على اتفاق بين ايطاليا وطرابلس لتدريب وتجهيز خفر السواحل الليبيين. ومنذ ذلك الوقت تراجع كثيرا عدد المهاجرين الواصلين الى أوروبا.

"القتلى يتكدسون"

في نهاية أيار الماضي قررت عشر منظمات غير حكومية دولية تنشط في ليبيا كسر جدار الصمت حول وضع المهاجرين في ليبيا. فقد حضت الاتحاد الاوروبي على "إعادة النظر سريعا" بسياساته إزاء الهجرة، مشددة على أن المهاجرين "ومنهم النساء والأطفال يعانون من عمليات احتجاز اعتباطية" في ليبيا وسط ظروف "فظيعة".

وقال رئيس بعثة منظمة "الإسعاف الأولي الدولي" في ليبيا بنجامين غودان لوكالة فرانس برس الأربعاء "لتتوقف عمليات إعادة المهاجرين الى ليبيا! الوضع متفلت هناك وخارج عن السيطرة. فالمهاجرون لا يتمتعون بأي حماية قانونية وسط الظروف الأمنية المعروفة".

وتتدخل هذه المنظمة غير الحكومية في ستة مراكز اعتقال وتؤمن مع عدد قليل آخر من المنظمات بعض الخدمات الصحية للمهاجرين.

وتابع غودان في مقابلة نادرة له مع وسيلة إعلامية "الكوارث تلاحقهم وعندما يتم إنقاذهم من الغرق في البحر تنتظرهم معاناة أكبر على الاراضي الليبية"، معتبرا أن "الأوضاع مريعة" في بعض مراكز الاعتقال الرسمية هذه.

ويضيف غودان شارحا ظروف الاعتقال المريعة للمهاجرين "إنهم يعيشون أحيانا مكدسين فوق بعضهم البعض وسط ظروف صحية فظيعة بغياب مياه جارية وأحيانا بدون مياه شرب. لا يتلقون من الطعام سوى النذر اليسير وفي بعض المراكز لا شيء يحميهم من الحر أو من البرد. ولا توجد باحات خارجية في بعض مراكز الاعتقال هذه، وبالتالي قد لا يرى المهاجرون أبدا نور النهار".

وقد تمكنت منظمة "هيومن رايتس ووتش" من زيارة عدد من مراكز اعتقال المهاجرين في ليبيا عام 2018 والتقت نحو مئة منهم. وكان تقريرها للعام الحالي مفصلا وضم شهادات "لطريقة التعاطي الوحشية" مع المهاجرين. واتهمت المنظمة "التعاون القائم بين الاتحاد الاوروبي وليبيا حول المهاجرين بالمساهمة في وقوع تجاوزات ضخمة للغاية".

يضيف جوليان ريكمان من منظمة "أطباء بلا حدود"، "كثيرا ما يتكدس القتلى بالعشرات في مراكز الاعتقال، أكان بسبب إصابتهم بمرض السل في الزنتان، او بسبب القصف كما حصل في تاجوراء. إن وجود عدد قليل من العاملين في المجال الانساني الى جانبهم غير كاف لتأمين ظروف مقبوله لهم في هذه المراكز".

وتابع ريكمان "إن الاشخاص المحتجزين لا يزالون يلقون حتفهم بسبب الأمراض والجوع وأعمال العنف والاغتصاب من قبل المليشيات. وكثيرا ما يجدون أنفسهم عالقين بأيدي عناصر المليشيات في مناطق قتال".

وفي إشارة الى خطورة الوضع حضت مفوضة حقوق الانسان في مجلس أوروبا في الثامن عشر من حزيران الماضي الدول الاوروبية على تعليق تعاونها مع خفر السواحل الليبيين، معتبرة أن الاشخاص الذين يتم ضبطهم وهو يحاولون الهجرة في البحر "يوضعون في مراكز اعتقال وبالتالي يتعرضون للتعذيب ولأعمال عنف جنسية وللابتزاز المالي".

حتى أن الامم المتحدة نددت في السابع من حزيران بالأوضاع "المريعة" السائدة في مراكز الاعتقال هذه. وقال المتحدث باسم المفوضية العليا لحقوق الانسان روبرت كولفيل "لقي نحو 22 شخصا مصرعهم منذ ايلول الماضي نتيجة اصابتهم بمرض السل وأمراض اخرى في مركز اعتقال في الزنتان".

وباشرت منظمة "أطباء بلا حدود" خلال الفترة الأخيرة تقديم خدمات طبية في مركزي اعتقال في الزنتان وغريان. ووصفت الوضع هناك ب"الكارثي صحيا"، موضحة أن الاشخاص المحتجزين في هذين المركزين "من اريتريا والصومال خاصة وهم عاشوا أصلا تجارب فظيعة" خلال رحلاتهم قبل وصولهم.

وتؤكد هذه المنظمات غير الحكومية مع المفوضية العليا للاجئين أن الغالبية من آلاف الاشخاص الموجودين في مراكز الاحتجاز هم من اللاجئين، وبالتالي يمكن أن يستفيدوا من امكانية استقبالهم في بلد متطور، لكنهم لا يستطيعون تقديم طلبات بهذا الصدد لدى السلطات الليبية، فيقومون بذلك لدى المفوضية العليا للاجئين في ليبيا وسط ظروف صعبة للغاية.

"محتجزون منذ سنة"

يضيف ريكمان في الإطار نفسه "إن عمليات الإجلاء الى خارج ليبيا، الى بلدان أخرى او بلدان عبور، تبقى اليوم محدودة للغاية لأنه لا توجد أماكن لهم في بلدان آمنة قادرة على منحهم حق اللجوء". وقال أيضا "هناك شعور كبير باليأس بمواجهة هذا المأزق، وفي بعض مراكز الاعتقال نجد اشخاصا مضى على وجودهم هناك نحو عام".

وردا على اسئلة فرانس برس تدافع المفوضية الاوروبية عن "التزامها" المالي ازاء المهاجرين، مشددة على أنها خصصت منذ عام 2014 نحو 338 مليون يورو لبرامج مرتبطة بالهجرة في ليبيا.

وقالت ناتاشا برتو من المفوضية الاوروبية لوكالة فرانس برس "نحن قلقون جدا إزاء تدهور الوضع على الأرض"، مضيفة "تلقينا انتقادات على تعاطينا مع ما يحصل في ليبيا، نحن واعون لذلك ونتبادل المعلومات بشأن ذلك مع المنظمات غير الحكومية".

وتابعت "لو لم نتحرك مع منظمة الهجرة العالمية والمفوضية العليا للاجئين والاتحاد الافريقي، لما كنا تمكنا من تحقيق ما أنجزناه: خلال الأشهر ال16 السابقة تمكنا من إخراج 38 ألف شخص من مراكز الاعتقال الرهيبة هذه ومن ليبيا وإعادتهم الى بلدانهم مع برامج عودة طوعية، وكل ذلك بتمويل من الاتحاد الاوروبي".

وقالت أيضا "من بين الاشخاص الذين هم بحاجة لحماية -وعلى المثال المتحدرين من اريتريا والسودان- تمكنا خلال الفترة الأخيرة من إجلاء نحو 2700 شخص من ليبيا الى النيجر، كما نجحنا في ضمان إقامة 1400 شخص في الاتحاد الاوروبي".

وتحرص هذه المتحدثة باسم المفوضية الأوروبية على التذكير بأن المفوضية "حثت مرارا خلال الأشهر القليلة الماضية الدول الاعضاء على السعي لايجاد حل لما يحصل اليوم: ففي كل مرة تقوم سفينة تابعة لمنظمة غير حكومية بانتشال مهاجرين في البحر تعارض مالطا وايطاليا استقبالهم، ويتوجب عندها على المفوضية ان تطالب الدول ال28 الاعضاء بإيجاد أمكنة لرسو السفن التي تنقلهم. هذا الأمر لا يمكن ان يستمر على هذا المنوال".

أما المتحدث باسم البحرية الليبية العميد أيوب قاسم فيقول لوكالة فرانس برس "إن الدول الأوروبية هي التي تعرقل التوصل الى حل دائم للهجرة في البحر المتوسط، لأنها لا توافق على استقبال قسم من المهاجرين وتعتبر نفسها غير معنية بالأمر".

ودعا الأوروبيين الى "التعاطي مع الأمر بجدية أكثر" وتوحيد مواقفهم.

وختم ريكمان بالقول "إن الدول الأوروبية تتحمل مسؤولية سقوط كل هؤلاء القتلى وعذابات المهاجرين"، مضيفا "ما نحن بحاجة اليه هي الأفعال، أي عمليات إجلاء عاجلة للاجئين والمهاجرين العالقين في ظروف خطيرة جدا في ليبيا".