موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأحد، ٧ ابريل / نيسان ٢٠١٩
الكاردينال ساكو: لإعمال العقل والتحليل والمنهجية في فهم النص الديني

البطريركية الكلدانية :

بدعوة من جامعة الصليب المقدسة، قدّم البطريرك الكلداني لويس روفائيل ساكو محاضرة عن العنف لدى التيارات الإسلامية المتشددة، في العاصمة النمساوية فيينا، بحضور ما يزيد عن مائتي شخص من المهتمين من أكاديميين وسياسيين ورجال دين مسيحيين.

وأوضح الكاردينال ساكو في محاضرته: "يجد التطرف الديني بعض الأسس في العديد من الديانات، لكن الغريب هو ظهور التطرف الإسلامي في العقود الأخيرة، والمتسم بطابع العنف والإرهاب ضد غير المسلمين، وبخاصة ضد المسيحيين. وقد تسبب هذا العنف في تراجع وجودهم وحضورهم وعددهم في بلدان الشرق الاوسط. أذكر على سبيل المثال ظهور القاعدة، وتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) وممارسة عمليات التهديد، والخطف ودفع الفدية والقتل، والاستحواذ على بيوتهم وتفجير كنائسهم، وممارسات اقصاء يومية".

فهم النصوص

وأشار إلى أن "مصدر التنظيمات الإرهابية هو أيديولوجي، مبني على فهم النصوص وتأويلها. فمن يقرأ هذه النصوص من دون سياقها التاريخي، ويفسرها بطريقة خاطئة، يشوه الدين ويضرّ به وبعباده، حيث يستند هؤلاء المتطرفون إلى نصوص دينية، وأدبيات موجودة في كتابات بعض الفقهاء مثل ابن تيمية وابن القيم الجوزية وغيرهما. وأحكام كـ«أحكام أهل الذمة» كانت لها أهمية في القرن السابع عندما نشأت الخلافة الإسلامية، لكنها اليوم لا تناسب واقع الدولة الحديثة ومساواة المواطنين واشتراكهم في كافة مفاصل الدولة. فلا يمكن القبول بمواطن من درجة أولى وآخر من درجة ثانية. إن هذه الأحكام هي ابنة سياقها الاجتماعي والتاريخي، وينبغي ألا تمارس اليوم في المجتمعات الحديثة المختلطة. وهكذا الحال مع بعض خطب الجمعة وبرامج القنوات التلفزيونية الدينية الحالية التي تحرّض على الكراهية، مما يجعل الدين سلاحًا فاعلا في الصراع ضد الاخرين، بدل أن يكون قوة لإشاعة التسامح والأخوّة والسلام في المنطقة".

ضرورة فهم النصوص بشكل صحيح

وشدد البطريرك الكلداني أنه "بات ضروريًا أن توضح المرجعيات المسلمة الرؤية الدينية لمواجهة الكراهية والعنف ومعالجة التطرف والإرهاب في العصر الحديث، عبر الاعتدال وأعمال العقل والتحليل والمنهجية في فهم النص، كما فعلت الكنيسة المسيحية في العصر الحديث في فهم النص الديني وكيفية تطبيقه في مجتمعاتنا الحديثة. كذا الحال مع الفقه، في الإسلام والقوانين الكنسية في المسيحية، إذ يستحيل تطبيق بعض الأحكام الدينية القديمة على الواقع الحالي. ونضرب مثلا على ذلك: فرض واحد من ثلاثة شروط على غير المسلمين: الإسلام، الجزية، أو السيف، كما فعلته داعش. إنه خرق لقانون الدولة والمواطنة وحقوق الانسان والسلام المجتمعي وقيم العيش المشترك والتسامح".

ونوّه غبطته بأن "للآيات والأحاديث في كل الديانات، أسبابها وظروفها التي لا بدّ من أن تؤخذ بعين الاعتبار، فبعضها يبطل العمل به بعد أن تزول ظروفه ومبرراته، وبعضها كان علاجًا لحالات معينة"، وبالتالي يجب ألا تؤخذ هذه النصوص "بحرفيّتها، بل بروحيّتها ودلالاتها". وقال: "لا بدّ إذًا من التمييز بين العادات والقواعد الاجتماعية التي كانت سائدة في زمن معيّن، وما هو سائد اليوم. ولا بدّ من التمييز بين الجوهري والعرضي، وما هو إلهي وما هو بشري تنظيمي، من خلال ملائمة بلاغات الدين مع حياة الناس، لكن من دون ان يمس العقيدة والقيم الأخلاقية".

وخلص البطريرك ساكو في محاضرةته إلى القول: "يجب على جميع الأديان أن تتوقف عن الترويج لنوع من اللغة الاستفزازية، والعمل على إزالة أفكار المتطرفين والإرهابيين من مناهج التعليم الديني التي تهدد أمن الدولة والشعب، وأن تعتمد مناهج التربية على احترام كافة الأديان، ومساعدة الناس أن يعيشوا كمواطنين متساوين بأخوة وسلام وكرامة وفرح".