موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الثلاثاء، ١٣ مارس / آذار ٢٠١٨
التسامح الخلاق والأصوليات المهلكة

إميل أمين :

تستدعي جولة الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي، في مصر وبريطانيا خلال الأيام القليلة الماضية، التوقف أمام قيمة إيمانية وأخلاقية؛ عروبية وإسلامية، تجلت في لقاءاته، وكان لها كبير الأثر في نفوس المراقبين للمشهد، بل وللمتابعين للمشروع الإحيائي الجديد في المملكة الذي يقوده الأمير محمد بن سلمان.

قطعاً نحن نتحدث عن مفهوم التسامح الذي هو باختصار قبول الآخر وحب الخير لكل من حولنا، والتعايش المشترك في إطار من الإنسانية جمعاء.

في القاهرة كان اللقاء مع كبير الأقباط البابا تواضروس؛ فللمرة الأولى يزور أمير عالي القدر والهمة مقر «المسيحيين المصريين الروحي»، والزيارة إشارة رمزية من الأمير محمد بن سلمان لجهة مشروعه التحديثي التسامحي والتصالحي؛ المشروع الذي يتجاوز الحجر إلى البشر.

رأى ولي العهد كيف أن التطرف والتعصب والرؤية الأحادية المتكلسة قادت المنطقة العربية إلى إرهاب أعمى، قاد المنطقة إلى التقاتل والتباغض.

جاءت الزيارة إلى الكاتدرائية لتعطي للجميع؛ شرقاً وغرباً، درساً بليغاً عن تسامح الإسلام مع الآخر، تسامح يحارب التشدد والتعصب، ومن دون حكم مسبق على الأشياء والحقائق.

دروس التاريخ التي استذكرها محمد بن سلمان جيداً تؤكد أن الدولة الإسلامية عرفت أزهى عصور الحضارة، عندما سادتها روح التسامح، ووقتها بدت لمن حولها منارة للعالم، سيما وقد استندت إلى روح الأديان الحقيقية، ومبادئ الإنسانية النموذجية في تعاطيها الخلاق مع جميع الحضارات والثقافات والأديان.

حين غادر الأمير الكاتدرائية كانت الكلمات التي خلفها من ورائه عن الأقباط، قد أخذت مكانها في قلوب كبير الأقباط وسائر مسيحيي مصر، قبل أن تسجل بحروف من نور في صفحات التاريخ، الذي يكتب فصلاً جديداً لمشروع النهضة العربية والإسلامية، وقد سجل فيه من قبل الرئيس عبد الفتاح السيسي ثلاث مرات صفحات مشرقة بزياراته لكاتدرائية الأقباط عشية أعياد الميلاد، في تقليد استنه، ما جعله رئيساً محبوباً ومرغوباً من كل المصريين.

الكراهية لا تفيد، والتشدد الأعمى يغلق الأبواب في مواجهة «فرح اللقاء»، ولهذا رأينا الأمير بن سلمان يلتقي في بريطانيا جاستن ويلبي، رئيس أساقفة كانتربري، الذي يلعب دوراً مهماً على صعيد الحياة الروحية والثقافية في الداخل البريطاني... لقاء يطرد الكراهية خارجاً، ويفتح الأذرع للمودة... لقاء يؤكد فيه الطرفان أهمية دور مختلف الأديان والثقافات في تعزيز التسامح ونبذ العنف والتطرف والإرهاب، وتحقيق الأمن والسلام لشعوب المنطقة والعالم.

حين كان الأمير محمد يزور بريطانيا، كانت دولة أوروبية لها وزنها التاريخي والديني؛ «إيطاليا» عاصمة الكاثوليكية في العالم، تقع مع الأسف في براثن التيارات اليمينية القومية المتعصبة، والتي لا ترى في الآخر، سيما المهاجر من العالم الإسلامي، إلا العدو التاريخي، وهناك من ينفخ نيران الإسلاموفوبيا حتى الساعة في الداخل الأوروبي، ومن يعدّ إرهاب «داعش»، وقبله «القاعدة»، المعيار الواجب النظر من خلاله إلى الإسلام والمسلمين.

يعيننا التسامح الخلاق في القفز على حواجز «الهويات القاتلة»، لا سيما حين ينسى أو يتناسى البعض أننا جميعاً ركاب سفينة واحدة، إما أن تصل بنا معاً إلى بر الأمان، أو أن نصيبها بعطب معاً يدفعنا إلى الغرق في يَمِّ الأصوليات المهلكة.

وفي كل الأحوال لا يمكن النظر إلى مشروع الأمير بن سلمان التحديثي، على أنه رؤية اقتصادية ومالية مفرغة من المعاني والدلالات الإنسانية والروحية، في عالم مؤدلج يسعى لتعظيم الماديات، وباتت فيه المؤامرات «خبز السياسة اليومية»، ولهذا نرى الاهتمام من الأمير الذي أقدم ولم يحجم رغم الصعوبات والعقبات التاريخية على الأرض، وينحو جهة إذكاء دعوات التسامح عربياً وإسلامياً، بوصفها آليات مبدعة «لتجديد ونهضة» للأخذ بمواطني عالمنا الذي أدمته الانقسامات، وأثخنت الراديكاليات جسده بالجراحات.

يفتح ولي العهد اليوم الأبواب واسعة، ويشرع للآخرين الحضور الوجداني، ليزيدوا ثراء المعرفة لمشروعه بغنى جديد، نابع من خلفيتهم التاريخية وخبراتهم الإيمانية، ونحن حين نعترف بمحدودية الرؤية الفردية، مقارنة بالشمولية الإنسانية الكونية، نصل إلى طرح التسامح والتأني في التفكير، قبل أن نقرر أو نرفض الرأي الآخر.

الحقيقة المؤكدة أن عصرنا الحديث يمكن أن يكون أرضية صالحة لمبدأ الحوار والتسامح، بعد انهيار الآيديولوجيات الكبرى، وانتشار مبدأ النسبية، عطفاً على وباء الإرهاب. وقديماً قال حكيم صيني: «إذا أردت أن تنفع الناس لسنة، فابذر لهم حبة. وإن شئت أن تنفعهم لعشر سنوات، فازرع لهم شجرة. أما إن رغبت في أن تنفعهم لمائة سنة، فأعطهم تعليماً مفيداً».