موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأحد، ١٥ ديسمبر / كانون الأول ٢٠١٩
البطريرك الراعي للسياسيين: كفى كيدية وتلاعبًا بمصير دولة آخذة بالانهيار

الوكالة اللبنانية للإعلام :

ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، قداس الأحد في كنيسة السيدة في الصرح البطريركي في بكركي، عاونه فيه المطرانان حنا علوان وبيتر كرم والأب شربل عبيد، في حضور الوزيرة السابقة أليس شبطيني. وخدمت القداس جمعية "رسالة حياة".

وألقى الراعي عظة بعنوان "لما قام يوسف من النوم، فعل كما أمره ملاك الرب". وقال: "يلتقي يوسف مع خطيبته مريم في الطاعة لإرادة الله. فعندما بشر الملاك جرائيل مريم بالأمومة لابن الله بقوة الروح القدس، أطاعت وأجابت: "أنا أمة الرب. فليكن لي بحسب قولك" (لو38:1). كذلك يوسف، لما أوحى له الملاك في الحلم سر حبل مريم ودوره ومسؤوليته، أطاع "وفعل كما أمره ملاك الرب" (متى 24:1)".

أضاف: "يسعدنا أن نحتفل معا بهذه الليتورجيا الإلهية التي نحيي فيها ليتورجيا البيان ليوسف وهو بمثابة البشارة له على مثال البشارة لمريم والبشارة لزكريا. وكلها تكشف تصميم الله الخلاصي وتعاونه مع الثلاثة لتحقيقه وفقا لدور كل واحد وواحدة منهم ودعوته. فيتضح لنا أن الله يتعاون مع الانسان من أجل تحقيق تصميمه الإلهي عبر مسار التاريخ البشري. فلا بد من أن يلتمس كل واحد من الله فهم دوره واكتشاف دعوته في الحالة التي هو فيها، والمسؤولية الموكولة إليه في الكنيسة والمجتمع والدولة. هذا الأمر يستوجب الإصغاء إلى الله بالصلاة وقراءة الكتب المقدسة واستلهام الروح القدس. فتأتي الأعمال والمشاريع كلها تصب في الخير العام الذي منه خير جميع المواطنين وخير كل مواطن".

وتابع: "عندما يتدخل الله في حياتنا يبدل نظرتنا ومشاريعنا ومواقفنا إلى ما هو الأفضل بالنسبة إلينا وإلى الجماعة. يوسف ومريم كانا مخطوبين، وقبل انتقال مريم إلى بيت يوسف كزوجته وفقا للشريعة، تدخل الله وجعل زواجهما الشرعي بتوليا بحيث تحبل مريم بقوة الروح القدس بإبن الله الذي سيكون مخلص العالم وفادي الإنسان. ولما لم يفهم يوسف سر حبل مريم، ولم يجد مكانه فيه، وقرر تطليق مريم سرا، تدخل الله وكشف له مقاصده في مريم، ودوره كأب شرعي ليسوع يتولى حراسته وإعالته مع أمه. بطاعة مريم ويوسف تم أعظم مشروع خلاصي للعالم كله، لا يقاس بمشروع زواجهما البشري المقرر".

وقال: "فلو وقف كل مسؤول سياسي عندنا أمام الله والتمس نوره لفهم دوره في تصميمه الخلاصي، لكان تصرف ويتصرف خلافا للنمط الذي يسير عليه. لو استلهم السياسيون إرادة الله بالصلاة والتمسوا أنواره الهادية، لما وصل لبنان إلى هذه الحالة البائسة باقتصاده وماليته وشلل مؤسساته، ولما تم تجويع الشعب وتحقيره ورمي أكثر من ثلثه تحت مستوى الفقر، وحوالى نصفه في حال البطالة، ولما أقفلت مؤسسات وسرح موظفون وتفاقمت الأزمة الاجتماعية. ولو أصغى السياسيون إلى صوت الله في ضمائرهم، لما استباحوا مال الدولة وتقاسموه حصصا عبر الحصص الوزارية وفقا لتكتلاتهم النيابية، ولما أصموا آذانهم عن مطالب الشعب في المظاهرات والاضرابات المتتالية، ولما كانت الانتفاضة والحراك المدني والثورة الإيجابية التي جمعت الشعب اللبناني في وحدة متماسكة ومتحررة من وطأة الانتماءات الطائفية والمذهبية والحزبية، والتي شكلت قوة لا يقوى عليها أحد، ولا يحق للمسؤولين السياسيين إهمالها أو تجاوزها أو الاستهزاء بقدرتها. وفي المقابل لا يحق للمسؤولين السياسيين البقاء في نقطة الصفر بالنسبة إلى تشكيل الحكومة والنهوض بالبلاد من عجزها المالي وشللها الاقتصادي وشبه إفلاسها، بعد ستين يوما من ثورة الانتفاضة، وبعد دعوة قمة دول الخليج في الرياض (الثلاثاء 16 ك1) واجتماع مجموعة الدعم الدولية في باريس (الأربعاء 17 ك1)".

أضاف: "فيا أيها المسؤولون السياسيون، تذكروا أن نبل العمل السياسي مستمد لا من مقامكم، بل من الشعب، عندما توفرون له الخير والعدل والانصاف، لأن هذه هي إرادة الله، ولأن الشعب هو مصدر سلطتكم. فحذار أن تهملوه أو تستصغروه. فلبنان دولة ديموقراطية لا ديكتاتورية. ولا يحق لأحد أن يملي عليها إرادته مستقويا. كفى كيدية في العمل السياسي، وتلاعبا بمصير دولة آخذة بالانهيار وشعب ترمونه في الذل، وأنتم تتبادلون الأدوار من أجل التعثر والتعطيل، من دون أي مسؤولية وطنية، وكأن البلاد والعباد ألعوبة بين أيديكم. لبنان ليس ملككم بل ملك شعبه".

وتابع: "البيان الإلهي ليوسف يكشف لنا أن الله يواكب خطوات كل إنسان لحظة بلحظة، لكونه معاونه في صنع تاريخ البشر على ضوء تصميم الخلاص. عند ساعات القلق والحيرة والاضطراب، نتعلم من يوسف أن نعود إلى الله بالصلاة والالتماس لكي نصغي في أعماق قلوبنا وضمائرنا الى ما يكشفه لنا، فنلتزم به. هذا هو الآن الوقت المصيري المناسب ليعود فيه المسؤولون السياسيون عندنا إلى الله لاستلهامه والاصغاء إلى إرادته".

وشدد على أن "أزمة الحكومة لا تحل بالتحجر في المواقف ووضع العصي في الدواليب، بل بالتجرد والتواضع، وبالتقدم المسؤول بخطوات بين هذا وذاك من الفرقاء، واضعين نصب أعينهم فقط مسؤولية النهوض بالوطن المشترك وإنمائه وإسعاد شعبه، ومتحررين من كل ارتباط خارجي ومن جعل الذات وسيلة للغير من أجل هذا الاستقواء. ولكن التاريخ علمنا ويعلمنا أن الدول تصنع مصالحها على حساب من كانوا وسيلة لها في تدمير بلادهم. فلا ترموا الانتفاضة الشعبية بتهمة الارتباط بالخارج أو الاستقواء به. فهذا ليس من عادة شبابنا المنتفضين ولا من ثقافتهم. فلا تتهمونهم بما أنتم تفعلون وتعودتم عليه من أجل مصالحكم".

وختم الراعي: "على ضوء هذا الحدث الإنجيلي، نصلي اليوم لكي ينفتح كل واحد وواحدة منا، وكل مسؤول في الكنيسة والمجتمع والدولة، على تصميم الله في حياته وحالته ومسؤوليته، ولكي يعود إليه بالصلاة مستلهما نعمة الإدراك لإرادته. فتصبح حياتنا وأعمالنا الصالحة والبناءة نشيد مجد وتسبيح للثالوث القدوس، الآب والابن والروح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين".