موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الإثنين، ٢١ أكتوبر / تشرين الأول ٢٠١٩
البابا فرنسيس في مقدمة كتاب: الصلاة.. نَفَس الحياة الجديدة

الفاتيكان نيوز :

نشرت صحيفة "Avvenire" الإيطالية نصًا من محتوى كتاب "La Preghiera. Il respiro della vita nuova" الذي يجمع خطابات للبابا فرنسيس حول الصلاة وسيصدر عن دار النشر التابعة للكرسي الرسولي في الرابع والعشرين من تشرين الأول الحالي. وقد قُدِّم أمس في المعرض الدولي للكتاب في فرانكفورت في ألمانيا.

كتب البابا فرنسيس:

المعموديّة هي بداية حياة جديدة، ولكن ماذا تعني الحياة الجديدة؟ إن الحياة الجديدة في المعمودية ليست جديدة كما عندما نغيِّر عملنا أو ننتقل من مدينة إلى أخرى ونقول: لقد بدأت حياة جديدة. في هذه الحالات تتغيّر الحياة بالتأكيد وتكون مختلفة عن السابق، تتغيّر الأوضاع والصداقات ويتغير البيت والراتب؛ ولكنها ليست حياة جديدة، بل هي الحياة نفسها التي تستمر.

إن الحياة الجديدة في المعمودية تختلف أيضًا عن عيشنا لتغيُّر جذري في المشاعر بسبب غرام أو خيبة أمل أو مرض أو حادث مفاجئ. يمكننا أن نتعرّض لأمور قد تغيّر قيمنا وخياراتنا الأساسية ولكن هذه الأمور أيضًا والتي هي تغيّرات كبيرة لا تزال مجرّد تحوّلات، إنها تعديلات تحملنا إلى حياة أجمل وأكثر ديناميكية أو ربما أكثر صعوبة وتعبًا. لكنَّ الحياة الجديدة في المعمودية ليست جديدة فقط بالنسبة للماضي أو للحياة السابقة، فجديدة في هذا السياق لا تعني حديثة ولا بأنّه قد تمّ تعديلها. الحياة الجديدة التي يتحدّث عنها القديس بولس في رسائله تذكّرنا بوصيّة يسوع الجديدة، وبالخمر الجديد للملكوت وبالنشيد الجديد الذي ينشده المخلَّصون أمام عرش الله أي بالحقائق اللاهوتية والاسكاتولوجية.

نفهم عندها إذًا أنّه وبالنسبة للحياة الجديدة ليس هناك مجال للمقارنة لأنه هل بإمكاننا أن نقارن الحياة والموت أو الحياة قبل وبعد الولادة؟ إن المسيح لم يصبح مثلنا ولم يعش فصح آلامه وموته وقيامته ليحسِّن لنا حياتنا بل جاء –وكما قال لنا– لكي تكون لنا الحياة ولكي تفيض فينا. هذه هي الحياة الجديدة، الحياة التي يمنحنا إياها الله الآب في المعمودية. إنها جديدة لأنها حياة أخرى نسبةً لحياتنا، لأنها حياته. هذه هي العطية الكبيرة التي منحها لنا يسوع أي المشاركة في محبة الآب والابن والروح القدس، وأن نشارك في محبّتهم لجميع البشر وللخليقة بأسرها.

لقد بحثنا على الدوام نحن المسيحيون عن صور وعلامات للتعبير عن هذه العطية الكبيرة، نحن كثيرون ومختلفون ولكننا واحد، نحن الكنيسة. وهذه الوحدة هي تلك المحبة التي لا تجبرنا ولا تذلنا ولا تحدّنا بل تقوّينا وتبنينا معًا وتجعلنا أصدقاء. هناك قول جميل ليسوع في الإنجيل: "الحَياةُ الأَبدِيَّة هي أَن يَعرِفوكَ أَنت الإِلهَ الحَقَّ وحدَكَ ويَعرِفوا الَّذي أَرسَلتَه يَسوعَ المَسيح"، وبالتالي هو يقول لنا إنّ الحياة الحقيقية هي اللقاء بالله وأنَّ اللقاء بالله هو معرفته. من ثمَّ نعرف جيدًا من الكتاب المقدّس أن معرفة شخص ما لا تتمُّ فقط بواسطة العقل لأنّ المعرفة تعني الحب أيضًا؛ وهذه هي حياة الله التي وُهبت لنا.

بالرغم من أنَّ الكلمات غير ملائمة لكن يمكننا القول إنَّ الحياة الجديدة هي أن نكتشف بأننا ننتمي لشخص ما، وهذا الأمر يذكّرني بما تقوله عروس نشيد الأناشيد: "حَبِيبِي لِي وَأَنَا لَهُ"؛ وبالتالي يحقق الروح القدس يومًا بعد يوم صلاة يسوع إلى الآب: "لا أَدعو لَهم وَحدَهم بل أَدعو أَيضاً لِلَّذينَ يُؤمِنونَ بي عن كلامِهم. فَليكونوا بِأَجمَعِهم واحِداً: كَما أَنَّكَ فِيَّ، يا أَبَتِ، وأَنا فيك فَليكونوا هُم أَيضاً فينا". إن إحدى الصور القديمة –التي استعملها القديس بولس– للتعبير عن هذا الانتماء في هذه الحياة هي صورة الجسد الذي رأسه المسيح ونحن أعضاؤه، وهناك في الجسد البشري بعض الوظائف الأساسية كنبض القلب والتنفس، وبالتالي يطيب لي أن أتخيّل أنَّ صلاتنا الشخصية والجماعية نحن المسيحيين هي نفَس ونبضة قلب الكنيسة التي تبعث القوّة في خدمة من يعمل أو يدرس أو يعلّم فتخصّب معرفة الأشخاص المتعلّمين وتواضع الأشخاص البسطاء وتعطي الرجاء لشجاعة من يحارب الظلم.

الصلاة هي الـ"نعم" التي نقولها للرب ولمحبّته التي تبلغنا، إنها قبول الروح القدس الذي يفيض المحبة والحياة على الجميع بلا كلل. لقد كان القديس سيرافيم الساروفي يقول: "إكتساب روح الله هو الهدف الحقيقي لحياتنا المسيحية وبالتالي فالصلاة والسهر والصوم والصدقة والأعمال الفضيلة الأخرى التي نقوم بها باسم المسيح ليست إلا أدوات لبلوغ هذا الهدف". فنحن لا نتنبّه على الدوام بأننا نتنفّس، ولكن لا يمكننا أبدًا أن نتوقّف عن التنفس.