موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الثلاثاء، ٩ أكتوبر / تشرين الأول ٢٠١٨
البابا فرنسيس في كتاب جديد: ’سأحدّثكم عن مريم، الفتاة العادية‘

بقلم: أندريا تورنيلي ، ترجمة: منير بيوك :

"إنني أتصورها كفتاة عادية، فتاة اليوم، مستعدة للزواج ولتكوين عائلة". هذا ما يقوله البابا فرنسيس عن السيدة العذراء، ويفسر صلاة ’السلام عليكِ يا مريم‘ في مقابلة بكتاب جديد مع الأب ماركو بوزا، المرشد الروحي في سجن بادوفا.

ونشرت صحيفة Corriere della Sera اليومية الإيطالية بعض مقتطفات من كتاب برجوليو الجديد حيث يقول: "منذ لحظة ولادتها حتى حدوث البشارة الملائكية، وإلى اللحظة التي قابلت فيها ملاك الله، أتصورها أنها كانت كفتاة عاديه، فتاة اليوم، ولا أستطيع أن أقول أنها فتاة مدنية، لأنها من بلدة صغيرة، لكنها عادية، متعلمة بشكل طبيعي، مستعدة للزواج ولتكوين أسرة. هناك شيئًا واحدًا أتخيله هو أنها كانت تحب الكتاب المقدس. فقد عرفت الكتاب المقدس، وأتمّت التعليم الديني في بيئة عائلية من القلب. ثم، بعد الحمل بيسوع، بقيت إمرأة عادية. مريم عادية، هي إمرأة تستطيع أي امرأة في هذا العالم أن تقلدها. لا أشياء غريبة في الحياة، أم طبيعية حتى في زواجها البتولي، عفيفة في ذلك الإطار من العذرية، كانت مريم عادية. عملت، ذهبت للتسوق، ساعدت ابنها، ساعدت زوجها: هذا أمر طبيعي".

مع التأكيد على تجذّر مريم في مجتمعها، يتناول البابا فرنسيس أحد الموضوعات المتكررة في بابويته؛ "من الطبيعي العيش بين الناس وأن نكون مثلهم. من غير الطبيعي العيش بدون جذور مع شعب، ومن دون أن تكون هناك علاقات تاريخية مع الشعب. في مثل هذه الظروف، تولد الخطيئة التي يحبها عدونا الشيطان بدرجة كبير، خطيئة الصفوة. لا تعرف الصفوة ما يعنيه العيش بين الناس. وعندما أتحدث عن صفوة لا أقصد طبقة اجتماعية إنما أتكلم عن هذا الموقف من الروح. يستطيع الفرد أن ينتمي إلى صفوة كنيسة. لكن، كما يقول الدستور المجمعي ’نور الأمم‘، بأن الكنيسة هي شعب الله المقدس. الكنيسة هي الشعب، شعب الله. والشيطان يحب الصفوة.

ويضيف البابا برغوليو: "إن عملية الخلق من جديد قد بدأت بمريم، بامرأة واحدة. لنفكر بالنساء غير المتزوجات اللواتي يدرن المنزل، اللواتي يربين أطفالهن وحدهن. كانت مريم أكثر وحدة. تبدأ هذه القصة وحدها وتستمر مع يوسف والأسرة. ولكن في بداية إعادة الخلق هناك حوار بين الله وامرأة عزباء. كانت لوحدها لحظة التبشير ووحدها لحظة وفاة ابنها".

ويتذكر فرنسيس الأحداث المأساوية التي وقعت لبلده، الأرجنتين، وآلام أمهات المفقودين. "بالنسبة للأم التي عانت ما عانته أمهات Plaza de Mayo، إنها تستطيع قول أي شيء. لأنه من المستحيل فهم ألم الأم. قال لي أحدهم: ’أود أن أرى على الأقل الجثة، عظام ابنتي، لأعرف أين تم دفنها‘. هناك ذاكرة أسميها ذاكرة الأم، شيء مادي، ذكرى اللحم والدم. هذه الذاكرة تستطيع أن تفسر المعاناة. وغالبًا ما يقولون: ’لكن أين كانت الكنيسة في تلك اللحظة؟ لماذا لم تدافع عنا؟ أظل صامتًا وأرافقهم. إن اليأس الذي تعانيه أمهات بلازا دي مايو لأمر فظيع. لا يمكننا إلا أن نرافقهم، ونحترم آلامهم، ونأخذهم باليد، لكن الأمر صعب".

ويعلّق الحبر الأعظم على عبارة قالها البابا لوشياني عن أمومة الله. "في القول أن الله هو الأب والأم"، فإن والبابا يوحنا بولس الأول لم يقل أي شيء غريب. هذا ما قاله الله عن نفسه، من خلال أشعيا وغيره من الأنبياء. قدّم نفسه كأم: "أتنسى المرأة رضيعها فلا ترحم آبن بطنها؟ حتى ولو نسيت النساء فأنا لا أنساك" (أشعيا 15:49).

ويؤكد فرنسيس مرة أخرى ما قال رئيس الملائكة جبرائيل حول السيدة العذراء في لحظة البشارة. "لا يقول الملاك لمريم: ’إنك مليئة بالفطنة، أنت ذكية، أنت مليئة بالفضيلة، أنت امرأة تتفوفقين بالطيبة. كلا، قال لها: أنت ممتلئة نعمة. عطاء وجمالا‘. السيدة العذراء هي الجمال بامتياز. فالجمال هو أحد الأبعاد الإنسانية التي غالبًا ما نهملها. نتكلم عن الحقيقه وعن الطيبة ونترك الجمال جانبًا. إلا أنه لا يقل أهمية عن الآخرين. من المهم أن تجد الله في الجمال".

ويجدد البابا توضيحه أنه "لا يمكن لمريم أن تكون أمًا للفاسدين، لأن الفاسدين يبيعون أمهم. إنهم يبيعون إنتمائهم للعائلة وللشعب. إنهم يبحثون فقط عن أرباحهم الخاصة، سواء كانت اقتصادية، أو فكرية، أو سياسية أو من أي نوع. إنهم يحققون خيارًا أنانيًا، وأود أن أقول شيطانيًا، كما يغلقون الباب من الداخل. ولا تستطيع مريم الدخول؟ لهذا السبب، فإن الصلاة الوحيدة للفاسدين هي أن زلزالاً سيمحقهم بحيث يقنعهم بأن العالم لم يبدأ ولن ينتهي بهم. مريم هي أم لنا جميعًا، نحن الخطأة. ابتداءً من الأكثر إلى الأقل قداسة". وحول تقديم نفسه في مرات عديدة على أنه خاطىء، يقول البابا: "إنه لأمر واقع. فإذا قلت عن نفسي أنني لم أكن خاطئًا فسوف أكون أعظم الفاسدين".