موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
ثقافة
نشر الأربعاء، ١٠ يناير / كانون الثاني ٢٠١٨
الأطفال يكررون سلوك الأهل في طريقة الحكم على الآخرين

منى أبو صبح - الغد :

تسرعت الطفلة رانيا (10 سنوات)، بالحكم على الطالبة الجديدة في صفها الدراسي، ووصفتها بأنها "متكبرة" أمام الأخريات، بل وطلبت منهن عدم محادثها أو الاختلاط معها.

أخبرت رانيا والدتها بالصورة الوهمية التي ارتسمت برأسها حول هذه الفتاة، مبينة أنها استندت على مظهر الفتاة الخارجي، فهي تهتم بشعرها كثيرا، ولديها حقيبة وأدوات مدرسية مميزة، كما ترتدي معطفا غالي الثمن وتنسقه مع لون الحذاء.

تقول والدة رانيا: "شعرت بالدهشة عندما تحدثت ابنتي أمامي هكذا، وعلمت كيف تقيم الأشخاص حولها!، ما دفعني لمناقشتها وإقناعها بأهمية عدم التسرع بالحكم على الآخرين من الشكل الخارجي، فقد تكون هذه الفتاة لطيفة ومهذبة.. وليست متكبرة كما أطلقت عليها".

لا يقتصر الحكم على الآخرين من منظورهم الخارجي عند الصغار، فهناك العديد من الكبار الذين يلقون الأحكام جزافا بدون التأكد من صدق حكمهم على الآخرين.

ولعل وراء إطلاق هذه الأحكام أسباب عدة، منها الثقة التامة بالنفس؛ إذ تجعل المرء يشعر بأنه أفضل من الآخرين ويستطيع الحكم عليهم، وأيضا اقتداء الأطفال الصغار بالوالدين أو بأحدهما، فيتعلم ويطبق على المحيطين به.

وكذلك حال الطفلة روان ذات الخمس سنوات، التي أخبرت عمتها لدى زيارتها لهم بأنها ستخبرها سرا عليها المحافظة عليه، مفاده أن معلمتها بيضاء وجميلة ونحيفة، أما معلمة أختها فسمراء وسمينة.

تقول عمة الطفلة: "همست روان بأذني وضحكت بسخرية بطريقتها الطفولية المحببة بهذه الكلمات، فلم يكن مني سوى الابتسام لها بلطف، وأجلستها بجانبي وكانت أختها ذات الثماني سنوات تجلس معنا، وقلت بصوت مسموع: عندي سؤال لكما، أيهما أفضل الشخص الأبيض أم الأسمر أم المؤدب؟ قالتا بصوت واحد: الشخص المؤدب".

تتابع العمة حديثها مع الطفلتين، بالقول: "رائع جدا، أنتما ذكيتان ورائعتان، صحيح فنحن نفضل الشخص المؤدب، ولا يهمنا شكله أو لونه أو طوله أو حجمه فذلك ليس بيده، والله تعالى خلق كل واحد بصورة وشكل ولون مختلف، ولا يجوز أن نسخر من خَلق الله تعالى، لأن الله تعالى يحاسبنا على أعمالنا وأقوالنا فهي باختيارنا، أما الشكل فليس من اختيارنا وليس له علاقة بمقدار أدب الشخص وحُسن أخلاقه".

وتعلق التربوية ومدربة الدماغ، الدكتورة خولة حسنين، قائلة "للأسف معظم الأشخاص في وقتنا الحاضر يركزون على جمال الشكل الخارجي للفرد، وليس على سلوكه وأخلاقه ومدى التزامه بتعاليم ديننا السمح".

وتلفت "ما دار من حوار سابق هو نتاج هذه النظرة الخاطئة في الحكم على الأشخاص نتيجة عوامل عدة، من أهمها وسائل الإعلام التي تركز على إظهار جمال الشكل وجعله معيار الأفضلية".

وتشير حسنين إلى أن هناك العديد من المظاهر المنتشرة في المجتمع التي تؤكد تقديم وتفضيل جمال الشكل الخارجي، وبخاصة عند اختيار الزوجة أو في بعض الوظائف وغير ذلك.

وتتمنى أن نغرس في صغارنا قيمة تقدير واحترام الآخرين بناءً على سلوكهم وليس شكلهم، واحترام الآخرين وتقبلهم كما هم من ناحية الشكل الخارجي بدون اعتراض على خَلق الله تعالى أو السخرية منهم، وأيضاً احترام الآخرين وتقبلهم مهما كانت خلفيتهم الدينية أو الاجتماعية أو الاقتصادية، وأن ينشغل كل واحد منا بتهذيب نفسه وتنميتها وتطويرها، وألا يفرض آراءه على الآخرين أو يصدر أحكامه عليهم، موضحة أنه لو انشغل كل منا بنفسه لكنا مجتمعاً متقدماً راقياً وإيجابياً؛ ولأثرنا على الآخرين من خلال تصرفاتنا وأفعالنا وليس بأقوالنا فقط.

ويشير اختصاصي علم النفس، د. موسى مطارنة، إلى أن تنشئة الأطفال على المبادئ والقيم منذ الصغر تنعكس على حياتهم الاجتماعية في المستقبل، فإذا كان الوالدان يعتمدان المظاهر الكاذبة و"الاستعراض" بالحكم على الآخرين، ينشأ الأبناء كذلك، وبالتالي يتولد تكرار لهذا السلوك، وينتج لدينا مجتمع يؤمن بالمظاهر والشكليات بدلا من الثقافة والعمق.

ويؤكد الدكتور مطارنة، أن هناك أشخاصا يحكمون على المظاهر فقط في جميع المجتمعات، وهم أشخاص معدومو الثقافة والوعي، لا يملكون أي معرفة أو خبرة، ومع ذلك يحكمون على الآخرين، ويستعرضون وجودهم كأشخاص بمستوى معين، ويطلقون على أنفسهم مسميات لا تمت لهم بصلة مثل "كلاس".

وهؤلاء الناس، من وجهة نظره، يفتقدون العمق الاجتماعي، بل يشكلون عبئا اجتماعيا، خصوصا أن هناك أشخاصا يتأثرون بهم، وينجم عن ذلك مشكلات اجتماعية؛ كخلل في التفاعل الاجتماعي وغيرها من الآثار السلبية.

ما ينتج حاليا، كما يقول مطارنة، التقييم من خلال المظاهر، سواء بالسيارات، الثياب، الكلام، وغيرها، هي محاولات تمثيل دائرة أرستقراطية معينة يطلع عليها الآخرون، ولا بد أن الأشخاص الذين يقومون بذلك لديهم حالة من عدم الثقة بالنفس والقدرات.

وينصح مطارنة بعدم التعامل مع هذه الفئة بالرد المباشر، من خلال عدم منحهم الاهتمام أو الإصغاء لكلماتهم، أو التفاعل معهم.