موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الأربعاء، ٥ يونيو / حزيران ٢٠١٣
الأردن غير الطائفي

د. عبد الحميد مسلم المجالي :

نقلاً عن جريدة الرأي الأردنية

تحولت الطائفية في الشرق الاوسط خلال العقود الاخيرة من كونها موروثا دينيا وثقافيا انحصر تاثيره في المراكز الدينية الضيقة ، الى مكون اساسي من مكونات السياسة الخارجية والداخلية للعديد من دول المنطقة التي تشهد حاليا اصطفافات طائفية لم تشهد مثلها منذ قرون .

وفي الحقيقة ، فان الثورة الاسلامية في ايران كانت هي الحد الفاصل حديثا بين طائفية المنطقة ولاطائفيتها ،بعد ان وضعت من بين اهدافها الفورية التحقيق ، عبور الحدود الى دول المنطقة وفق مبدا «تصدير الثورة « الشيعية ، الذي كان السبب الرئيسي في اندلاع الحرب العراقية الايرانية . وخلال هذه الحرب اقيم بدافع الشيعية السياسية ، تحالف بين النظامين الايراني والسوري . كما اقامت طهران مشروعا لها في لبنان ، على شكل تنظيم مسلح اسمته «حزب الله « يدر عليها موارد سياسية كلما شاءت ذلك ، اما باستخدامه في الصراع السياسي مع اسرائيل والغرب ، او في مد نفوذها عبر المنطقة العربية السنية التي بدات طهران تتدخل في شؤونها الداخلية ، وفقا لشعارات تخفي وراءها اشواق السيطرة الطائفية والقومية ، بعد ان توسعت في استخدام التقية ، لتحقيق اغراض سياسية ومذهبية .

ولم تكن دول المنطقة السنية نظرا لظروفها الموضوعية ، قادرة على مواجهة هذا الاندفاع الايراني المستند الى موارد ومقومات دولة اقليمية كبرى ، تبدي تصميما على تحقيق انجازات تاريخية لصالحها تغير بها وجه المنطقة . فاتخذت من هذا الهجوم المخطط ، كفعل استراتيجي متلاحق الحلقات ، موقفا دفاعيا لايزال يشكل سمة دورها في هذا الصراع .

ومما احدث تغييرا جوهريا في التوازن القائم ، ووسع من جبهة الصراع الطائفي لتشمل الاقليم باكمله ، تقديم الامريكيين للعراق هدية غير متوقعة لايران ، بعد اسقاطهم النظام السني ، لصالح تسليم السلطة الى عناصر تدين بالولاء لطهران طائفيا وسياسيا . وكل ذلك فسر على انه تنفيذ لتفاهم ايراني امريكي تم ترتيبه في الخفاء .
ووسط هذا الصراع المتصاعد الذي يترك اثاره الكارثية على شعوب المنطقة ، ويهدد الوحدة الجغرافية والوطنية لدولها ، فان الاردن ، الدولة السنية الاوسطية ، لم تشأ وضع الطائفية كواحد من عناصر تحديد توجهات سياستها الخارجية حتى في احلك الظروف واكثرها متطلبا للفرز الطائفي . فهاهو الاردن يقيم علاقات طيبة مع حكومة المالكي ، رغم ما يحدث في العراق من احداث طائفية . كما يتخذ موقفا من الصراع في سوريا ، يؤكد في حيثياته بعدا عن الطائفية كمحرك ثانوي او اساسي . في حين اتخذ موقفا متوازنا يحافظ على استقرار البحرين ، دون ان يحرض الحكم ، على التشدد تجاه الطائفة الشيعية . كما يحافظ على علاقة عادية مع ايران ، تتلاءم والاجواء العامة في الاقليم ، رغم ما يعتري هذه العلاقة من فتور تتسبب به مواقف ايران تجاه الدول العربية الخليجية .

الطائفية السياسية والمذهبية باتت تخيم بظلالها السوداء على الاقليم ، وتحدد اتجاهات سياسة دوله الخارجية والداخلية ، ورغم ذلك ، فان الاردن ينتهج سياسة خارجية خالية من سموم هذا الجنون الطائفي اللامعقول ، مقدما نموذجا اخر على طهارة هذه السياسة، وعلى رفضه الوقوف في خندق مقابل خندق اخر في منطقة بدات تغوص في بحر من الظلمات .