موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
الاراضي المقدسة
نشر الجمعة، ٤ سبتمبر / أيلول ٢٠١٥
الأحد الرابع عشر بعد العنصرة

الأب بطرس ميشيل جنحو - الأردن :

فصل شريف من بشارة القديس متَّى (22: 2–14)

قال الربُّ هذا المثل . يُشبه ملكوتُ السماوات انسانًا ملكًا صنعَ عُرسًا لابنهِ * فارسل عبيدهُ ليَدعوا الَمدعُوّين الى العرس فلم يُريدوا أَن ياتوا * فأرسل ايضًا عبيدًا آخرين وقال قولوا للمَدعوّينَ هوذا غَدائي قد أَعْدَدتهُ. ثيراني وَمُسَمناتي قد ذُبحَتْ وكلُّ شيء مُهَيأٌ * فهلمُّوا الى العرس * ولكَّنهُمْ تهاوَنوا فذهب بعضُهم الى حقلهِ وبعضُهم الى تجارتهِ * والباقون َقبَضوا على عبيدهِ وشتَموهم وقتلوهم * فلمَّا سمع الملك غضِب وارسل جنودَهُ فأَهلك اولئِك القَتَلةَ وأحَرقَ مدينتهم * حينئذٍ قال لعِبيدهِ امَّا العرسُ فمُعَدٌّ وامَّا المدَعُوُّون فلم يكونوا مستحقّين * فاذهبوا الى مفارقِ الطُّرقِ وكلُّ من وَجَدْتموهُ فادْعوهُ الى العرس * فخرج اولئكَ العبيدُ الى الطرُقِ فجمَعوا كلَّ مَن وجدوا من اشرارٍ وصالحينَ فحفَل العُرسُ بالمتكئين * فلَّما دخل الملِكُ لينَظُرَ المتكئين رأَى هناك انسانًا لم يكنْ لابسًا لبِاسَ العرس * فقال لهُ يا صاحِ كيف دخلتَ الى ههنا وليس عليك لباسُ العرس. فصمت * حينئذ قال الملكُ للخُدَّام أَوثقوا يَدَيهِ ورجَّلَيهِ وَخُذوهُ واطْرَحوهُ في الظلمةِ البرَّانيَّة. هناك يكونُ البكاء وصَريفُ الأَسنان * لانَّ الَمدْعَوّين كثيرون والمختارين قليلون.

بسم الآب والأبن والروح القدس الإله الواحد أمين.

الفكرة الأساسية هي أنَّ الله دعا الناس إلى عُرس ابنه الأوحد، أيْ إلى الإيمان به وإلى ممارسة الفضائل المسيحيَّة. إنَّ الذين تلقَّوا الدعوة إلى الإيمان بابن الله وسلوك الحياة الفاضلة يولِّفون اليومَ أربع فئات هي: فئة اللاّمبالين بالدين، وفئة المُلحدين، وفئة المُستهترين بالدين، وفئة الخطأة التائِبين.

إنَّ الدعوة إلى العُرس هي الدعوَةُ إلى الإيمان بيسوع المسيح فادي البشر، وإلى سلوك الحياة الفاضلة. إنَّ أوَّل مَنْ وُجِّهَت إليهم الدعوة هم اليهود. ولكنَّهُم رفضوها وتشدَّدوا في رفضِها لأسباب بشريَّة محضة. فنبذهم الله ووجَّه الدعوة إلى غيرهم من الناس. فهل لبَّى المدعوون الجُدُد دعوة الله وآمنوا بيسوع المسيح الإيمان الحيّ وعاشوا عيشة التقوى والفضيلة؟

الفئة الأولى من المدعوِّين والذين يتتَّصفون باللاّمبالاة بشؤون الثقافة المسيحية ومِنهُمْ مَنْ ذَهَبَ إلى حقلِهِ وتِجارتِه. إنَّهم المسيحيَّون بالاسم فقط. إنَّ الله يدعوهم إلى الإيمان الحيّ وممارسة الفضيلة، ويوجِّه إليهم الدعوة بوساطة الكنيسة. ولكنَّهم لا يعبأون بالدعوة، بل ينصرفون إلى أعمالهم الخاصَّة انصرافاً كُليَّاً، ذلك لأنَّ الدين لا قيمةَ لَهُ في رأيهم، بل مضيعةٌ للوقت، والوقتُ قد جُعِل للعمل والتجارة وربح المال. إنَّ نتيجة لا مبالاة هؤلاء المسيحيين بدعوة الله لهم أنَّ باب الملكوت يُغلِقُ في وجوهِهم، فيبقون خارجاً.

أما الفئة الثانية وهم المُلحدين، وهذه الفئة تتألَّف من المسيحيين الذين أنكروا إيمانهم واعتنقوا مذهب الإلحاد لأسبابٍ بشريَّة محضة. وأَمسَكَ الآخَرونَ خَدَمَ الملك فشَتَموهُمْ وقَتَلوهُمْ.

أما الفئة الثالثة في مثل المدعوِّين إلى العُرْس، رجُلٌ واحد: "رأَى المَلِكُ هُناكَ رجلاً لَمْ يكُنْ لابساً لباسَ العُرس". لقد كان في الشارع يهيم على وجهه، فقيراً جائِعاً قذِراً. فدُعي إلى العُرس، وقُدِّمتْ إليه قَبْلَ أن يَدخُل القاعة ثيابُ العُرسِ الجميلة، فأعرض عنها باستهتار ووقاحة، ودخل بثيابه الوسِخة، وفي ظنِّه أنَّه يحِقُّ له أن يجلس إلى المائدة مهما كان عليه من قذارة الثياب وعدم الاحترام لمقام الملك صاحب الدعوة.

لقد انفتح باب الخلاص على مصراعيه ليدخل الكل إلى الوليمة، ولكن يلزم أن يلتحف بلباس العرس، إذ يقول السيِّد: "فلما دخل الملك لينظر المتّكئين رأي هناك إنسانًا لم يكن لابسًا لباس العرس. فقال له: يا صاحب كيف دخلت إلى هنا وليس عليك لباس العرس؟ فسكت. حينئذ قال الملك للخدّام: اِربطوا رجليه ويديه وخذوه واِطرحوه في الظلمة الخارجيّة. هناك يكون البكاء وصرير الأسنان. لأن كثيرين يدعون وقليلين ينتخبون.

أما الفئة الرابعة والأخيرة فئة الخطأة التائِبين تتألَّف هذه الفئة من العاطلين عن العمل والمتسوِّلين والمتسكِّعين في الشوارع والأزقَّة. لقد فوجئوا بالدعوة إلى العُرس، فلبُّوا الدعوة، وأتوا إلى قاعة القصر وقلوبهم ترقص فرحاً، ودخلوها بسكونٍ ورهبة. ولبسوا حُلل العُرْس التي قُدِّمت إليهم وجلسوا إلى مائدة الملك. فامتلأَتْ رَدْهَةُ العُرسِ بالجالسينَ للطعام.

يرى البعض أن لباس العرس ما هو إلا الإنسان الجديد الذي ننعم به في مياه المعموديّة كصورة خالقه، والذي يلتزم المؤمن بالحفاظ عليه ناميًا بواسطة روح الله القدّوس خلال حياة التوبة العمليّة المستمرّة والجهاد الروحي القانوني.

وكما يقول القديس يوحنا الذهبي الفم بهذا كمن يهتمّ بثياب خارجيّة مُوَشَّاة بالذهب بينما تلتحف نفسه الداخليّة بالخرق الباليّة، أو كمن يسكن في قصر فخم مزيَّن بستائر ذهبية، بينما يبقى هو عاريًا يلبس الخِرق. ثوب العْرس عنده هو الحياة الداخليّة المقدّسة والمعلنة خلال التصرّفات العمليّة.

إنَّ هؤلاء المدعوِّين يمثِّلون جماعة المسيحيين الخطأة الذين يدعوهم الله إلى أن ينتقلوا من جوّ الخطيئة إلى جوّ النعمة. لقد اختبروا في ذواتهم، بسبب الخطايا التي ارتكبوها, نتائج الضَعف البشري الأليمة ومعاناة الميل الداخلي القائم فيهم إلى الشرِّ والإثم. فعندما وصلت إليهم دعوة الله إلى التوبة لبُّوا هذه الدعوة على الفور، وتابوا من ذنوبهم, ولبسوا الحُلَّة الجميلة. حُلَّة النعمة المقدِّسة، واشتركوا في عُرس ابن الملك، فشعروا بالفرح العميق يغمر نفوسهم.

إنَّ كلًّ مسيحيٍّ مدعوٌّ إلى فرح هذا العُرس الأبدي. فعليه أن يُلبّيَ دعوة الله بإيمانٍ وحُبٍّ صادق ولا يشوِّه بالخطيئة الحُلَّة الجميلة التي لبسها يوم المعموديَّة، بل يحافظ على جمالها طَوال حياته على الأرض. ليتَّكئ إلى مأدبة عرس ابن الملك في الملكوت السماوي.

حلّة العرس هي إذن حلّة بيضاء، لبِسَها عديدون من كلّ أمّة وقبيلة وشعب ولسان، بدون فرقٍ أو تمييز بينهم. وهي ليست حلّة مميّزة جديدة، لبسوها لمّا وقفوا أمام عرش الله.