موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
الاراضي المقدسة
نشر الجمعة، ١١ سبتمبر / أيلول ٢٠١٥
الأحد الخامس عشر بعد العنصرة

الأب بطرس ميشيل جنحو - الأردن :

فصل شريف من بشارة القديس متَّى
(متى 22: 35 – 46)

في ذلك الزمان دنا الى يسوع ناموسيٌّ مجرّباً لهُ وقائلاً يا معلّمُ أَيةُ وصيَّةٍ هي العظمى في الناموس * قال لهُ يسوع أحببِ الربَّ الهَك بكلّ قلبك وبكلّ نفسِك وبكلّ ذهِنك * هذه هي الوصيَّةُ الأُولى والعظمى * والثانيةُ وهي مثلَها أحببْ قريبَك كنفسِك بهاتين الوصيَّتينِ يتعلَّق الناموس كلُّهُ والانبياء * وفيما الفريسيون مجتمعون سأَلهم يسوع قائلاً ماذا تظنُّون في المسيح ابن مَن هو . قالوا لهُ ابنَ داود * فقال لهم فكيف يدعوهُ داود بالروح ربَّهُ حيث يقول قال الربُّ لربّي اجلِس عن يميني حتَّى اجعلَ اعداءك موطِئـاً لقدَمَيـْك * فان كان داود يَدعوهُ رَبـًّا فكيف يكونْ هو ابنَهُ * فلم يستطِعْ احدٌ ان يجيبِهُ بكلمةٍ . ومن ذلك اليومِ لم يجسُر احدٌ ان يسأَلهُ البـتَّة.

بسم الأب والأبن والروح القدس الإله الواحد أمين

أيها الأحباء في المقطع الإنجيلي والمخصص لهذا الأحد من بشارة متى لقد سمعنا كيف إتفق الفريسيين أن يوقعوا المسيح فأرسلوا له هذا الناموسي ليمتحنه في مسألة حيرتهم ، واختلفوا بخصوصها فيما بينهم، على أي الوصايا هي العظمى . وكانت لهم منازعاتهم الساخنة. ففي رأيهم أنه لا بُد أن تكون هناك وصية هي الأعظم فمنهم من قال أنها حفظ السبت ومنهم من قال تقديم الذبائح ومنهم من قال أنها الختان. وهذا الناموسي الذي أرسلهُ الفريسيين ليمتحن السيد يبدو أنه كان في داخله باحثًا عن الحقيقة بصدق فحين أجابه السيد فرِح بالإجابة . وفعلًا تتفق إجابة المسيح مع أن الوصايا العشر مقسمين للوحين الأول يختص بالله والثاني يختص فيما للإنسان، وهكذا لخص السيد الوصايا أن تحب الله وتحب قريبك .

ويقول يسوع في خطاب الوداع خلال العشاء السري: "أعطيكم وصية جديدة: أحبوا بعضكم بعضا. ومثلما أنا أحببتكم أحبوا أنتم بعضكم بعض فاذا أحببتم بعضكم بعض، يعرف الناس جميعا أنكم تلاميذي". من الواضح أن يسوع يشدد على أن ينقل لنا وصية المحبة وقدرتها التامة على التغير.

من الصعب تعريف كلمة "حب". لقد فهمت وتعامل معها الناس في ثقافات مختلفة وفي أزمنة مختلفة بطرق عدة. في أغلب الأوقات عندما نسمع هذه الكلمة نربطها بالمشاعر. لو أن الحب مجرد مشاعر فلا يكون من المعقول أن تطلبه من أي شخص. فالمشاعر ليست قرار إرادي لكنها تتأثر وتتغير بسبب عوامل كثيرة. كما أنه من غير المعقول أيضًا أن تعد أحدًا بأن تحبه حتى يفرق بينكما الموت، كما يتعاهد الكثير عند الزواج. (هل من الممكن أن يكون التغيير في فهمنا لمعنى الحب هو أحد أسباب زيادة الاعتقاد أن الزواج أمراً غير منطقياً وغير ناجحاً؟) ماذا لو أن الحب أكثر من مجرد مشاعر؟ ماذا لو أن الحب هو أن تقدم شخصًا آخر عن نفسك في كل ما تعمله؟ ماذا لو أن معنى الحب هو أن تقرر الالتزام بالآخر (الله أو الانسان) بغض النظر عن المشاعر؟

لقد قدّم لنا السيِّد مفهوم الوصيّة بمنظار مسيحي، أن الوصايا وِحدة واحدة لا تنفصل عن بعضها البعض، فإن كان حبّنا لله بلا حدود هو أعظم الوصايا، فإن حبّنا لإخوتنا ليس بأقل منها، إذ لا يمكننا أن نحب الله غير المنظور خارج حبّنا لإخوتنا المنظورين. وبحبّنا لله والإنسان إنّما تكمل جميع الوصايا والأنبياء. هذا من جانب، ومن جانب آخر فقد أراد السيِّد تأكيد حقيقة هامة وهي أن الوصايا ليست موضوع بحث عقلي ومناقشات ومجادلات، وإنما هي حياة حب يعيشها الإنسان ويحياها.

السيد المسيح أحب الجميع ولم يستثنى أحداً حتى أعدائه ومضطهديه ومعذبيه وصالبيه. فلم يكره أحد ولم ينتقم من أحد ولم يلفظ أحداً ولم يحارب أحداً ولم يشهر السيف في وجه أحد ولم يأخذ بثأره من أحد ولم يخض أي نوع من الحروب مع أحد، بل نجده له كل المجد قد سامح الجميع. ورحب بالجميع ولم يخرج أحداً خارجاً ولم يرفض أحداً ولم يغلق الباب في وجه أحد، وهذا في كل لحظة من كل أيام حياته، منذ ولادته وحتى آخر يوم له على الأرض عند صعوده. فالسيد المسيح لم يأتى ليدعو أبراراً إلى التوبة بل الخطاه، فكيف له أن يكرههم وهو الذى قد جاء إلى الأرض ليفتديهم جميعاً بدمه الطاهر وبحياته. ولا ننسى كلماته الأخيره على الصليب: "ياأبتاه إغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون".

المحبة هي المقياس الذي تعيش فيه أخي وأختي، هو طريق أمامنا لا بد من سلوكه. فلنسلك بمحبة فادينا الذي أحبنا وبذل نفسه من أجلنا.