موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الإثنين، ١٩ أغسطس / آب ٢٠١٩
إميل أمين يكتب لأبونا: فائض الكراهية وإرهاب ضد الأديان التوحيدية

القاهرة - إميل أمين :

فائض الكراهية حول العالم يزداد مهدداً حياة البشر في شرق الأرض وغربها، شمالاً وجنوباً، والمتابع لحوادث هذا العام يرى أن الإرهاب الأسود يتتبع أصحاب الأديان في مساجدهم وكنائسهم ومعابدهم.

في شهر مارس آذار الماضي ضرب الإرهاب الأعمى مدينة كريست تشيرش في نيوزيلندا، ذلك المكان القصي من الكرة الأرضية، وحيث لا صراع على موارد مالية أو اقتصادية، إنما هو خطاب الكراهية الذي ملأ القلوب والعقول وأسقط العشرات من أبناء المدينة، من المصلين.

لم يكن قد مر وقت طويل، أي بعد عدة أسابيع إلا ورأينا من حولنا صباح عيد الفصح هجومات إرهابية ضد كنائس سيرلانكا، وهناك وقع عشرات الضحايا أيضاً، والذين سالت دماءه مع زهور واحتفالات العيد.

وقبل أن تنصرف الأسابيع كانت عدة معابد يهودية في الولايات المتحدة الأمريكية تتعرض بدورها للرصاص الحي القاتل، رصاص الكراهية والأحقاد العرقية.

ما الذي يحدث حول العالم، وهل هذه هي محصلة العولمة ونتيجتها؟ كنا نظن أن سقوط الحدود وزوال السدود سوف يقرب البشر بعضهم إلى بعض، غير أن واقع الحال يشير إلى زيادة هائلة فيما اسماه البابا فرنسيس بابا روما فائض الكراهية حول العالم.

لم نعد أمام إرهاب تقليدي، بل أضحينا أمام إرهاب متخصص إن جاز التعبير، إرهاب يتقصد المؤمنين حول الكرة الأرضية من الشرق إلى الغرب، إرهاب محمول على موجات العرق واللون والجنس، الطائفة والمذهب والدين، عدنا إلى منطق القبلية المتوحشة، ومرحلة القتل على الهوية.

ما يحدث لأبناء إبراهيم حول العالم تنبهت له حاضرة الفاتيكان بنوع خاص، ولهذا وجدنا رئيس الأساقفة "برناردينو أوزا"، المراقب الدائم للكرسي الرسولي لدى الأمم المتحدة، يضع القضية في صلب إهتماماته خلال الخطاب الذي يعد وعن حق تاريخي والذي ألقاه في أواخر يونيو حزيران المقبل.

قبل كلمة رئيس الأساقفة "برناردينو" كان الحبر الأعظم البابا فرنسيس ينبه ويطلق نداء ضد كل تمييز، ويؤكد على ضرورة احترام الناس من أي عرق أو لغة أو دين.

لكن الواقع المعاصر الأليم جعل من دور العبادة "غرف للإعدام"، ولم تعد الإدانة تكفي، إنما هناك حاجة إلى التركيز على مسؤولية الدولة لحماية جميع مواطنيها على قدم المساواة، ومن غير تمايز مبني على أسس عنصرية.

كيف الطريق إلى مواجهة خطاب الكراهية؟

مندوب خليفة بطرس إلى الأمم المتحدة، يدرك أن الرجل ذو الرداء الأبيض لا يمتلك الوية أو فرق عسكرية، كي يقود الجيوش، إنه ليس زمن البابا المحارب، بل زمن بابا المحبة ورسول السلام، فرنسيس الفقير وراء جدران الفاتيكان، والذي يؤمن إيماناً قاطعاً بأن التسامح وتعزيزه هو الطريق وهو الحل، لكن كيف السبيل إلى بلوغهما؟

يقترح الدبلوماسي الفاتيكاني عدة طرق، وفي المقدمة منها تعزيز الحق في حرية الضمير والدين والمعتقد، منبهاً إلى أنه من سوء الحظ، هناك تقارير دولية وأممية تبين أن العديد من الدول ذات الدين الرسمي للدولة، لديها مستويات مختلفة من القيود على الأديان الأخرى، كما وثقت بعض التقارير أشكالاً عدوانية متزايدة من القومية المعادية للأقليات الدينية.

لن يمكن مجابهة خطاب الكراهية من غير إجماع كافة الزعماء السياسيين والاجتماعيين والدينيين على إدانة استخدام الدين للتحريض على الكراهية والعنف، أو لتبرير أعمال العنف أو التهجير أو القتل أو الإرهاب.

الأديان لم تكن يوماً ما هي السبب فيما يجري حول الكرة الأرضية، ولهذا لا ينبغي إلقاء اللوم عليها في ذاتها، بل يتوجب إلقاء اللوم على اولئك الذين يسيئون تفسير المعتقد الديني أو يتلاعبون به لإرتكاب الشر، على أساس أنه من عند الله، وذلك لتحقيق أغراض سياسية أو إيديولوجية.

بات العالم ونحن على مشارف العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين أمام ثلاثة أشكال من الإرهاب الموجه إلى أتباع الأديان، والتي يتوجب إدارتها والوقوف صفاً في مواجهة القائمين عليها بالفكر والقول والفعل.

الاسلاموفوبيا، والترويج لمقولة أن كل إسلامي ومسلم إرهابي وفي أفضل الأحوال مشروع إرهابي، والكراهية الواضحة لكل ما هو ومن هو مسيحي، وما قامت به داعش ومن لف لفها دليل على سوء الكارثة، ثم معاداة السامية الموجهة إلى يهود العالم، والذين يتعرضون لا سيما في أوربا وأمريكا لهجمات تعيد سيرة الماضي الأليم.

يتساءل البعض من المفكرين الثقات، أصحاب الضمائر الصالحة، هل باتت العنصرية موضة، لا يمكن إخفاءها، بل يتفاخر ويجاهر بها البعض، بغض النظر عما يستتبع ذلك من اكلاف عالية، تختصم من أمن العالم وسلامه؟

من أسف شديد، يكاد الخرق يتسع على الراتق، ولم تعد أصوات السياسيين المنحولين، أصحاب النزعات البراجماتية الكاذبة، هم فقط السبب الرئيس وراء صحوة العنصرية، فهناك في واقع الحال مسببات أخرى أشار إليها الحبر الاعظم البابا فرنسيس في خطابه إلى قضاة القارة الأمريكية، نهار الثلاثاء 4 يونيو حزيران الماضي، خلال نهاية أعمال القمة التي نظمتها الأكاديمية الحبرية للعلوم الاجتماعية، حول الحقوق الاجتماعية والعقيدة الفرنسيكانية.

فرنسيس في كلمته أكد أننا مدعوين إلى عيش مرحلة من التغيرات التاريخية، وأن نفوس الشعوب موضوعة على المحك، وأن هناك ضرورة للعب دور ريادي متقاسم وشجاع يتمكن من إشراك الجميع، وعلى كافة المستويات ويضع نفسه في خدمة العدالة.

هل للكراهية تجاه اتباع الأديان جانب مادي أم أنها فقط صراع يوتوبي عقلاني طهراني؟

بالقطع لا يمكن فصل ما هو مادي عن ذاك الذي هو أدبي، ولهذا يرى البابا فرنسيس أن الظلم وغياب الفرص الحسية والملموسة يولدان العنف، مع أن هذا العنف قد يكون صامتاً في غالب الأحيان.

من القضايا المثيرة للحزازات في الصدور، في عالمنا المعاصر، الصراع على الخيرات المادية، وعلى الرغم من أن الأرض فيها ما يكفي ويزيد، إلا أن طمع الليبرالية المنفلتة، وأنانية النظريات الرأسمالية، التي كان البابا القديس يوحنا بولس الثاني يتهمها بأنها سلعت الإنسان، قد حرم الكثيرين من خيرات الأرض، لذا باتت الكراهية تتعمق بين الجنوب الغني والشمال الفقير، وذهبت تيارات شبابية عدة في طريق التطرف في محاولة للثأر التاريخي من الآخر الذي احتل واستغل.

يقول الفيلسوف البلغاري الأصل، الفرنسي الجنسية "تزيفتان تيدوروف"، لا أحد يحتل وينجو ببراءة، فهل يتحتم على اتباع الاديان دفع الثمن؟

قلة قليلة من البشر، تنعم اليوم بالملذات والرخاء فيما يعاني الآلاف من جيراننا ومن الأخوة بينهم الأطفال، من الصعوبات ويحرمون مكان يقيمون فيه، فهل ينتظر العالم أن يجد مستقبلاً في هؤلاء وأولئك سوى قنابل كراهية موقوتة، مدمرة ومفجرة في الحل والترحال، وفي الحال والاستقبال؟

حين تدخل العدالة الاجتماعية طي النسيان فإن حديث الكراهية تكون له ولا شك اليد العليا، وحين يغيب الحوار الحقيقي بين الثقافات والأديان، تخيم الغيوم على مستقبل التعايش الإنساني، وعندما تهمل المدارس دورها التنويري، وتضحى وسائل الإعلام أدوات للتسلية المجوفة الهشة من غير مقاصد عليا تدفع في طريق "الخير العام"، يكون البديل الحقيقي تحفيز التعنت واستيلاد الأصولية وتسونامي الكراهيات... فأنظر ماذا ترى؟