موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأربعاء، ١٩ يونيو / حزيران ٢٠١٩
أندريا تورنييلي يكتب: وسائل الإعلام اليوم في العالم، وفي الكنيسة

أندريا تورنييلي :

نحن نعيش في عالم إعلامي. فنحن على علم جيد في كل لحظة من حياتنا اليومية حيث الأخبار متوفرة في هواتفنا الذكية في الوقت الحقيقي: المعلومات، والصور، ومقاطع الفيديو. لم يكن هناك أي جيل أكثر استنارة من جيلنا (اليوم نتلقى في يوم واحد معلومات أكثر مما تلقاه منذ جيلين طوال عمر كامل).

لكن، من فضلكم، اسمحوا لي أن أطرح عليكم سؤال بسيطا. هل تعتقدون حقًا أننا نحصل عل الحقيقة بعينها؟ هل هذا حقًا أفضل نظام إعلامي ممكن؟ هل هذه الكمية المدهشة من المعلومات هي في الحقيقة أفضل طريقة للحصول على معلومات جيدة؟ من الواضح لي أن الإجابة هي لا.

أنا لا أخبركم أنني أشعر "بالحنين" إلى ذلك الوقت للعيش بدون وسائل التواصل الاجتماعي وشبكة الإنترنت. كلا على الاطلاق! أحاول ببساطة أن أقول إن كمية المعلومات لا تعني بالضرورة جودة المعلومات. في الواقع، نحن نعيش في وقت صار فيه أسوأ التلاعب بالمعلومات أكثر سهولة: أخبار مزيفة، وأخبار يتم التلاعب بها، إضافة إلى التلاعب بالسياقات.

من الواضح أن نظام التواصل الاجتماعي هو أداة. يمكنكم استخدامه بشكل جيد من أجل الحقيقة، لتبادل المعلومات الجيدة والأخبار الصحيحة. أو يمكنك استخدامه بشكل سيء، أي لزيادة التشويش، ونشر الكراهية، والتلاعب بعقول الناس. يمكنك استخدامه لتبادل المعلومات الكاملة التي قد تبني الجسور والحوار بين الناس، أو يمكنك استخدامها لزيادة الانقسامات والحروب والمعارضة بيننا.

لسوء الحظ، كما تعلمون، يميل نظام وسائل الإتصال إلى إبراز الأخبار السيئة بدلاً من الأخبار الجيدة. فإذا كان هناك رجل يصرخ بكلمات من دين معين يحمل سكينا بيده ويصرخ على الناس في شوارع عاصمة أوروبية، فإن هذا يصير من أخبار العالم في بضع دقائق. أما إذا كان هناك الآلاف والآلاف من العائلات المسيحية والإسلامية تعيش بجانب بعضها البعض وتساعد بعضها البعض وتحمي بعضها البعض فهذه ليست أخبارًا، حتى لو كنت تستطيع القول أن هذه هي الأخبار الحقيقية اليوم.

تدرك الحكومات والدول والشركات الكبرى ذلك. فهي غالبًا ما تستخدم وسائل الإعلام لتحقيق غاياتها. عندما تتحدثون عن المعلومات والوسائل الإتصالات، تذكروا أنكم تتحدثون دائما عن الخيارات. ففي كل يوم هناك الكثير من الخيارات التي يتخذها المتخصصون في وسائل الإعلام، الذين يقررون الأخبار التي ينبغي نشرها وتسليط الضوء عليها، وأيها لا ينبغي ذلك.

الاختيار الأول هو الذي تقوم به وكالات الأنباء، فهي تختار القصص التي ينبغي نشرها. تقوم المواقع الإلكترونية والصحف في كل دقيقة من اليوم باتخاذ خيارات أخرى إضافة إلى التلفزيون والراديو وغيرها. تستطيع وسائل التواصل الاجتماعي اليوم مساعدة الناس على فهم تلك الأخبار والحقائق والوصول إليها والتي لم يتم تضمينها في الخيارات اليومية التي يتخذها نظام وسائل الإعلام الاحترافي.

إلى جانب تلك الخيارات، هناك عالمنا الحقيقي أي ليس فقط الحروب المنسية في جميع أنحاء العالم، والمعاناة المنسية للكثير من الناس الذين تضرروا من العنف أو التمييز أو نقص الغذاء والماء، ولكن أيضا الكثير من الأخبار الجيدة في كل يوم -الحمد لله- التي تحدث في كل ركن من أركان عالمنا.

كيف تعيش الكنيسة الكاثوليكية وتتصرف في هذا العالم الإعلامي؟

من الصعب الإجابة. في بعض الأحيان "تقع الكنيسة في حب" الأفكار أو الأنظمة متأخرة نوعًا ما، عندما تبدأ تلك الأفكار أو الأنظمة في إظهار عيوبها. حدث هذا ، على سبيل المثال، في الحالة الماركسية. الآن، في رأيي، يحدث نفس الشيء مع وسائل التواصل الاجتماعي والأدوات الرقمية.

أعتقد أن هناك مخاطر كبيرة. إنه خطر الاعتقاد بأنه كي نكون "أذكياء" في نشر الكتاب المقدس من الضروري استخدام الوسائل الرقمية. إنه خطر سوء فهم الواقع، والتفكير في أن وسائل الإعلام هي الرسالة. إنه خطر التركيز فقط على الأدوات، مع الأخذ الأمر على أن رسالة الإنجيل والقدرة على تقاسمها والشهادة عليها مفروغ منه.

لقد تعلمت في السنوات القليلة الماضية أنه لا يمكنكم مشاركة شيء ما إلا إذا كان هذا المحتوى، أي الرسالة مهمة لكم. لهذا السبب، ترتبط اليوم القدرة على الإعلان عن رسالة الإنجيل ارتباطًا وثيقًا بإمكانية مشاركة أخبار عن حياة جيدة وحقيقية. قال القديس بولس السادس أن هذا ليس وقت للمعلمين بل للشهود. نحن بحاجة إلى أن نكون قادرين على تقديم أخبار. اليوم، تجارب الحياة الحقيقية فقط هي التي يمكنها أن تمس قلب الآخرين. هذا لا يعني أننا يجب أن نحاول تغيير الواقع. فإذا كان هناك واقع من المعاناة والظلام، فإننا نحتاج إلى إظهار ذلك. ولكن من الممكن أيضا مشاركة ضوء من الأمل حتى لو غمرنا الليل.

كما نعلم، يتم نشر الأخبار المزيفة عن الكنيسة والبابا بشكل متكرر وتتم مشاركتها عبر الإنترنت. هناك هجمات قوية ومدونات عدائية. لدينا في الغرب صحفيون ومدونون الذين يستيقظون كل يوم يفكرون في كيفية مهاجمة البابا، رأس الكنيسة الكاثوليكية، وتدميره. ما هو رد الفعل المناسب لهذا الموقف؟

أولاً، سيكون من الخطأ الكبير الاعتقاد بأن لهؤلاء الأشخاص في العالم الواقعي وفي الحياة الحقيقية للكنيسة نفس القوة والرؤية التي يحصلون عليها في شبكة الإنترنت العالمية. الحمد لله هذا غير صحيح. تأتي الكثير من الهجمات من مجموعات صغيرة وقوية جدًا يبدو أنها مؤثرة جدًا على شبكة الإنترنت، ولكنها ليست كذلك في حياة الكنيسة الحقيقية.

ثانيًا، يجب ألا ننسى أنه من الخطر دائمًا الرد على الهجمات التي تتم بسوء نيه، لأن الإجابة تعني وضع أنفسنا على نفس مستوى الهجمات. على العكس من ذلك، نحتاج إلى مشاركة الأخبار الجيدة من أجل تقديم تجارب جيدة، ومشاركة وجه كنيستنا وإلهنا بالرحمة، والعطف، والقدرة على أن نكون قريبين من الناس بخاصة أولئك الفقراء والمرضى والمصابين بالأذى، إضافة إلى المعرضين إلى التمييز والاضطهاد.

كمسيحيين، عندما نستخدم وسائل التواصل الاجتماعي، يجب أن نتذكر أن الرب يسوع قال للتلاميذ الأوائل: "بهذا يعلم الجميع أنك تلاميذي، إذا كنتم تحبون بعضكم بعضًا" (يوحنا 13 : 35). بهذا المعنى، فإن الكراهية الموجودة في عالم وسائل التواصل الاجتماعي الكاثوليكي هي بالفعل شهادة ضد الكتاب المقدس.

علاوة على ذلك، أعتقد أن هنالك حاجة مطلقة لصحافة جيدة. نحن بحاجة إلى صحافة مهنية. في الوقت الذي يتمكن كل شخص فيه فتح مدونة ونشر تعليقات حول أي شيء، نحتاج إلى أشخاص على استعداد جيد لتشر الأخبار والحقائق. إذا كان الجميع في جميع أنحاء العالم ينشرون تعليقات وآراء، فمن المسؤول عن تقديم الحقائق، بأسرع وقت وبدقة ممكنه؟ هذا هو بالضبط الوظيفة، او المهمة، ومهمة الصحافة المهنية.

لقد غيّر إصلاح نظام الفاتيكان للإعلام وجه وسائل الإتصال التي كانت تعمل حتى ثلاث سنوات كل على حدة. كان التحدي هو مشاركة الطاقات، والصحفيين، والموظفين، ومحاولة إنشاء نظام متناسق جديد تستطيع فيه كل وسائل الإعلام -الإذاعة، والتلفزيون، والصحف، والمواقع الإلكترونيه، ودار النشر في الفاتيكان- الاحتفاظ بهويتها الخاصة وفي نفس الوقت تكون قادرة على التنسيق والعمل المشترك من خلال تبادل المصادر، والمعلومات،والمقالات، إضافة إلى وجهات الاتصال من أجل تحقيق نتيجة أفضل.

إن الموقع الإكتروني للفاتيكان الأخباري -الذي يتواصل من خلال 35 لغة مختلفة (يمكنك أن تجده أيضا باللغة العربيه، والمسؤول عنه كما تعلمون هو أبونا يمين الحاضر معنا)- هو الناتج الموحد لهذا التحدي المهم. لقد كان يشاهد عبر الإنترنت لمدة عام ونصف كما يزداد عدد زوارنا كل يوم. إن هدفي الصحفي هو أن أعرض على كل واحد من قرائنا صحافة جيدة ومعلومات متينه وكاملة عن البابا، والفاتيكان، والكنيسة الكاثوليكية، وحوار الأديان، إضافة إلى الأخبار الدوليه. ونحن نحاول أن ننظر إلى ما ترنو إليه وسائل الإتصال الأخرى.

أخيرًا، أود أن ألفت الانتباه إلى الروابط القائمة بيننا، بين الكنائس المحليه والكرسي الرسولي. من الواضح أن الرابط الأكثر أهمية يمثله الليتورجيا والصلوات. ولكن هناك أيضا إمكانية مشاركة القصص والأخبار بيننا. أريد أن أقدم مثالاً على ذلك. في الأيام القليلة القادمه، سيتلقى كل أسقف كاثوليكي خطابا من دائرة الإتصالات التي لدينا، يوضح فيه كيف يمكنهم الحصول على واجهة إطار يمكنهم تضمينه في كل موقع كاثوليكي. هذا لا يخص فقط كل موقع أبرشية، بل وأيضًا سيكون بإمكان كل موقع أبرشية أو منظمة كاثوليكية الحصول على هذا الإطار. سيتم تحديثه بشكل منتظم وتلقائي بالمعلومات الرسمية المنشورة في موقع الفاتيكان (Vatican.va)، إضافة إلى الأخبار من موقع الفاتيكان نيوز بلغتك المختارة.