موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الجمعة، ١٤ يوليو / تموز ٢٠١٧
أسماء الأماكن الجغرافية ودلالاتها التاريخية والاجتماعية

د. صلاح جرّار :

لا شكّ في أنّ أسماء الأماكن الجغرافية من مدن وقرى وأحياء وأنهار وبحيرات وجبال وسواها هي عماد الخرائط الجغرافية، ولولاها لضاعت الحدود واختلطت الحقوق، لكنها إلى جانب ذلك لها قيم تاريخية واجتماعية كبيرة، لأنّ تلك الأسماء لم تطلق على مسميّاتها عبثاً، بل إنّ لكلّ اسم سبباً أو حكاية أو قصّة، وغالباً ما تشير هذه الأسباب إلى حدث اجتماعي أو حادث تاريخي أو سمةٍ جغرافية أو بيئية أو خصوصية اجتماعية، وهذه الأسباب مجتمعة تشكّل هويّة المكان وتاريخه وانتسابه، ونتيجة لذلك لا يستطيع أحدٌ طارئ أو معتدٍ أن يدّعيه لنفسه ما دام الاسم يدلّ على هويّته وتاريخه، وممّا يعزّز هويّة المكان ونسبته لأهله ورود اسمه في مصادر تراث أهله من شعرٍ أو أمثالٍ أو في كتب الرحلات والجغرافيا والتاريخ وغيرها.

ونظراً إلى هذه الأهميّة الكبيرة لأسماء الأماكن في تعزيز هويّة المكان وحقوق أهله، فإنّه يغدو من الضروري أن تولي الدولة اهتماماً كبيراً لثلاثة أمور: أوّلها توجيه الباحثين إلى دراسة أسباب تسمية الأماكن ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً، لأنّ ذلك يكشف جوانب من التاريخ السياسي والتاريخ الاجتماعي للمكان. وثانيها: إيلاء عناية كبيرة لدراسة تاريخ المكان وآثاره وتراثه. وثالثها: المحافظة على الأسماء التراثية لهذه الأماكن، لأنّ إسقاط هذه الأسماء أو إبدالها يمثّل إسقاطاً لعنصر مهم من عناصر هويّتها، وإن كان لا بدّ من تغيير اسم المكان فلا بدّ من الاحتفاظ بالاسم الأصليّ له إلى جانب اسمه الجديد.

إنّ خطر اندثار كثير من القرى والمواقع الجغرافية نتيجة الحروب والصراعات ونتيجة الاحتلال، كالذي حدث لعدد من القرى الفلسطينية، يجعل المحافظة على الأسماء التاريخية للأماكن ودراسة آثار تلك الأماكن وتاريخها وتراثها واجباً وطنياً أساسيّاً لا يجوز إهماله، لأنّ مثل هذه الإجراءات تمثل شكلاً من أشكال تحصين المكان وتعزيز هويّته في وجه أيّ أخطار محتملة، ويقطع الطريق على أيّ غازٍ أو معتدٍ أو مدّعٍ أو محتلّ ينازع في ملكيّة ذلك المكان أو تاريخه.

وفي هذا السياق فإنني أنوّه بالجهود التي يبذلها المركز الجغرافي الملكي في ندواته ومؤتمراته التي يعقدها حول الأسماء الجغرافية والمحافظة عليها، وأتمنى للقائمين على المركز المزيد من النجاح في تحقيق أهدافهم الوطنيّة النبيلة.

(نقلا عن الرأي الأردنية)