موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
الاراضي المقدسة
نشر الخميس، ٥ مايو / أيار ٢٠١٦
أحد توما الرسول

الأب بطرس ميشيل جنحو :

فصل شريف من بشارة القديس يوحنا
(يوحنا 20: 19–31)

لما كانت عشيَّةُ ذلكَ اليومِ وهو أولُ الأسبوعِ والأبوابُ مغُلَقةٌ حيثُ كانَ التلاميذُ مجتمعينَ خوفاً من اليهود جاءَ يسوعُ ووقف في الوسْطِ * وقال لهم السلامُ لكم * فلما قال هذا أراهُم يديهِ وجنبَهُ . ففرح التلاميذُ حينَ ابصروا الربَّ * وقال لهم ثانيةً السلامُ لكمْ كما أرسلني الآبُ كذلكَ أنا أرُسِلكم * ولما قال هذا نفخ فيهم وقال لهم خُذوا الروحَ القدس * مَن غَفَرْتم خطاياهم تُغفَرْ لهم ومن أمْسَكْتم خطاياهم أُمسِكَتْ * أما توما أحدُ الاثنَيْ عَشَرَ الذي يقالُ لهُ التوأَمُ فلم يكنْ معهم حين جاءَ يسوع * فقال لهُ التلاميذُ الآخَرونَ إنّنا قد رأينا الربَّ. فقال لهم إِن لم أعايِنُ أَثَرَ المساميرِ في يديْهِ وأَضَعْ إصبَعي في أَثَرِ المساميرِ وأَضَعْ يدي في جنبهِ لا أومن * وبعد ثمانيةِ أيامٍ كان تلاميذهُ أيضاً داخلاً وتوما معَهم فأتى يسوعُ والأبوابُ مُغلَقةٌ ووقَفَ في الوسْط وقال السلامُ لكم *ثم قال لتوما: هاتِ إصبَعَكَ إلى ههنا وعايِنْ يديَّ وهاتِ يدَكَ وَضَعْها في جنبي ولا تكنْ غيرَ مُؤْمنٍ بل مؤمناً * أجاب توما وقال لهُ: ربّي وإلهي * قال لهُ يسوع: لأنكَ رأيتَني آمنتَ، طوبى للذينَ لم يَرَوا وآمنوا * وآياتٍ أُخَرَ كثيرةً صنع يسوعُ أمام تلاميذهِ لم تُكتَبْ في هذا الكتاب. وأمَّا هذه فقد كُتِبَتْ لِتُؤْمنوا بأنَّ يسوعَ هو المسيحُ ابنُ الله . ولكي تكونَ لكم إذا آمنتم حياةٌ باسمهِ.

بسم الأب والأبن والروح القدس الإله الواحد أمين

ربي والهي" هكذا يرد توما على المسيح بعد ان قال له: "هَاتَ اصبعك الى هنا فانظر يدي، وهات يدك وضعها في جنبي، ولا تكن غير مؤمن بل كن مومناً" (يو 20: 27).

يقول المسيح لتوما: "كن مومناً". هذا الامر هو امر خلق للايمان في توما. كما قال الله في البدء: "فليكن نور" فكان نور. الان يقول المسيح لتوما "كن مومناً" فيرد توما: "ربي والهي". اي يعلن ايمانه. كلمة المسيح خلقت في توما الإيمان، اتمت فيه جزء من تلك المسيرة.

يسوع المسيح لا يشكك من عدم ايمان توما. لا يشكك لان توما لم يؤمن بقيامته وبظهوره للتلاميذ. لا يشكك، فهو الوحيد الذي يعرف ان الايمان طريق، مسيرة فيها يحصل الانسان على الايمان. بالفعل من قبل ثلاث سنوات بدأ المسيح تلك المسيرة مع تلاميذه اثناء حياته، لكنها لم تنته بعد. لذا فهو لا يطلب الان منهم الايمان الناضج. بل يظهر لهم ويساعدهم لينمي تلك النبتة، نبتة الايمان، الذي زرعها في حياته والان يرويها بقيامته وبظهوره. هو الوحيد الذي يعرف ان الايمان ينمو وينضج، انه ليس فعل سحري. هو الوحيد الذي يعرف ان الايمان عطية وليس محصلة افعال شخصية او اجتهادات. الايمان عطية والانسان بحريته يستطيع ان يستقبلها، ان يرد عليها بان يفتح لها اعماقه كي تنمو فيه.

شك توما والإيمان من بعده بحقيقة القيامة أعطى الرسل القوة لنشر البشارة ولو اقتضى الأمر منهم أن يضحوا بحياتهم. المسيح قَبِلَ شك توما وحاوره باظهار الحقيقة، والمسيحية تحتاج لهذا الحوار للوصول لليقين، هذه الحقيقة هي التي تحرر الإنسان، والتطويبة والبركة هي للذين يقبلون بقلوبهم بشارة الإيمان كطريقة حياة.

توما بعد ان رأى المسيح مصلوباً، بعد ان راى جراحه وعلامات موته يصعب عليه ان يصدق، ان يؤمن بانه قام. كيف يقوم من مات ومات هكذا.

تعتبر قيامة المسيح من بين الأموات أساس الرسالة الرسولية للبشارة بالمسيحية، وبقيامته من بين الأموات قدّم الرسالة رسالة فرح وثقة ورجاء للعالم. انتصار المسيح هو انتصار العالم بأجمعه أي البشرية بأجمعها ضد الشر والفساد والخطيئة.

يخلق الإيمان داخل الإنسان قوة الإنتصار، الحياة بدون جهاد لا يمكن أن تمتلئ بفرح الإنتصار، هذا الإيمان، إن وجد، يعطي للإنسان راحة وإطمئنان وبه يبني شخصيته بالمسيح، فيدرك أن الحياة كلها هبة من الله، ومن الملاحظ أن حدث القيامة لم يقل انتشاره مع مرور الزمن بل كل سنة يزداد أكثر وأكثر وهذا دليل على أن له رسالة فرح ومحبة ورجاء وعلى أن الإيمان مازال موجود ويزداد.

توما هو كل انسان يؤمن بالرب، لكنه عندما يرى ما لا يتوقعه، عندما يرى ان الواقع يكذب ما كان ينتظر، عندما يرى الالم والصعاب في الحياة يتشكك ويقول اكيد ما يحدث لي ليس من عند الرب. كيف يسمح الرب بكل هذا؟ كيف لا يتدخل؟ لماذا كل هذا الالم، الموت، الصعاب؟ لماذا؟ كيف؟

توما هو انا وانت عندما نشكك من الآمنا ونفقد الرجاء، عندما يخيب ظننا. عندما يتصرف الرب في حياتنا بطريقة مختلفة عما كنا نتوقعه. فنفقد الايمان، ونعتقد انه ما يحدث لنا ليس من الله. نفقد الايمان بان الله قادر ان يحول موتنا لحياة وان يقيمنا حتى من اعماق قبورنا التي دُفنا فيها لسبب او لاخر.

إذا يا إخوة بالإيمان ندرك الأمان والراحة والرجاء والحياة ولكن كيف نحصل على الإيمان؟ يكون ذلك عندما نلقى وجه المسيح كما فعل توما، وكيف نلقاه إن لم نشترك في جسده ودمه عبر الكنيسة؟ وكيف نلقاه إن لم نراه في وجه أخينا الإنسان المتألم؟

الرب القائم لا يشكك منا اليوم بل يقول لنا: "كن مومناً". وبهذا يخلق فينا الايمان من جديد. احد توما هو خبر مفرح لكل من فقد الايمان، لكل من هو متشكك من واقعه اليوم، لكل من تعثر من احداث حياته. فليقبل تلك الكلمة من المسيح "كن مومناً".

علينا واجب نحن اليوم ونكون كالمنارة التي ترشد السفن إلى الميناء الهادىء، ويعطينا الرب القائم من بين الأموات نعمة فوق نعمة ويؤهلنا بأن نهتف من أعماق قلوبنا دون خوفٍ: المسيح قام... حقاً قام.