موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
الاراضي المقدسة
نشر الخميس، ٩ ابريل / نيسان ٢٠١٥
أحد الفصح المجيد المقدس

الأب بطرس ميشيل جنحو :

1. التأمل الإنجيلي
2. معنى كلمة فصح
3. طروباريات العيد
4. القيامة

فصل شريف من بشارة القديس يوحنا (1: 1–17)

فِي الْبَدْءِ كَانَ الْكَلِمَةُ وَالْكَلِمَةُ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَالهاً كَانَ الْكَلِمَةُ * هَذَا كَانَ فِي الْبَدْءِ عِنْدَ اللَّهِ كُلُّ بِهِ كَانَ وَبِغَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِمَّا كَونَ * بِهِ كَانَتِ الْحَيَاةُ وَالْحَيَاةُ كَانَتْ نُورَ النَّاسِ * وَﭐلنُّورُ فِي الظُّلْمَةِ يُضِيءُ وَالظُّلْمَةُ لَمْ تُدْرِكْهُ * كَانَ إِنْسَانٌ مُرْسَلٌ مِنَ اللَّهِ اسْمُهُ يُوحَنَّا. هَذَا جَاءَ لِلشَّهَادَةِ لِيَشْهَدَ لِلنُّورِ. لِكَيْ يُؤْمِنَ الْكُلُّ بِوَاسِطَتِهِ * لَمْ يَكُنْ هُوَ النُّورَ بَلْ كَانَ لِيَشْهَدَ لِلنُّورِ* كَانَ النُّورُ الْحَقِيقِيُّ الَّذِي يُنِيرُ كُلَّ إِنْسَانٍ آتً إِلَى الْعَالَمِ * فِي الْعَالَمِ كَانَ والْعَالَمُ بِهِ كُوِّنَ والْعَالَمُ لَمْ يَعْرِفْهُ * إِلَى خَاصَّتِهِ اتى وَخَاصَّتُهُ لَمْ تَقْبَلْهُ * فَأَمَّا كُلُّ الَّذِينَ قَبِلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ سُلْطَاناً أَنْ يَكونوا أَوْلاَدَ للَّهِ اَلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاسْمِهِ * اَلَّذِينَ لاَ مِنْ دَمٍ وَلاَ مِنْ مَشِيئَةِ لحم وَلاَ مِنْ مَشِيئَةِ رجلٍ لكِنْ مِنَ اللَّهِ وُلِدُوا * وَﭐلْكَلِمَةُ صَارَ جَسَداً وَحَلَّ فَيَْنَا ( وقد أبصرنا مَجْدَهُ مَجْد وَحِيدٍ مِنَ الآبِ ) مَمْلُوءاً نِعْمَةً وَحَقّاً * ويُوحَنَّا شَهِدَ لَهُ وَصرخ قائلاً هَذَا هُوَ الَّذِي قُلْتُ عَنْهُ إِنَّ الَّذِي يَأْتِي بَعْدِي صَارَ قَبْلِي لأَنَّهُ كَانَ متقُدّمِي *وَمِنْ مِلْئِهِ نَحْنُ كلنا أَخَذْنَا وَنِعْمَةً عوض نِعْمَةٍ * لأَنَّ النَّامُوسَ بِمُوسَى أُعْطِيَ وأَمَّا النِّعْمَةُ وَالْحَقُّ فَبِيَسُوعَ الْمَسِيحِ حصَلا.

بسم الأب والأبن والروح القدس الإله الواحد أمين
المسيح قام

أيها الأحباء إنه كما أنَّ نور الشمس ينير الطبيعة ويُفرِّح العالم ويُظهر الخلائق المتنوعة لكي تفتكر فيها النفس العاقلة. فإن إنجيلنا المقدَّس اليوم يصدر أشعةً واضحةً أسطع من الشمس التي تنوِّر وتهدي كلَّ نفسٍ مسيحية إلى معرفة اللاهوت المثلث الأقانيم – الآب والابن والروح القدس وتجعل حكمة الله الكثيرة التنوع واضحةً (أفسس 3: 10).

يبدأ الإنجيل بحسب القديس يوحنا بافتتاحية أو مقدمة تختلف عن افتتاحية بقية الأناجيل، في بداية الأصحاح الأول يبدأ في الكشف عن شخص ربنا يسوع قبل التجسد حيث يعرفنا على ذاك الذي نشاركه المجد ونعيش معه إلى الأبد.

تعلمون أن سفر التكوين بدأ بعبارة "في البدء خلق الله"، أي أنه يتكلم عن بداية المخلوقات، أي بدء الزمن بالخليقة. أما البدء في إنجيل يوحنا فهو ما قبل الخلق والزمن والتاريخ، حيث لم يوجد سوي الله الكائن بذاته يبدأ ببداية الكينونة "في البدء كان الكلمة".

أي أن الكلمة أزلي هو بدأ بما لا بداية له. وقد كرر الرسول هذا الفكر حين قال الرب لليهود: "أنا من البدء ما أكلمكم أيضًا به" (يو 25:8)، أي أنا الكائن المتكلم في الأصل أو منذ الأزل. جاء أيضًا في بداية رسالته الأولى: "الذي كان من البدء، الذي سمعناه، الذي رأيناه بعيوننا" (1 يو 1:1).

ونجد أيضاً أن تعبير البدء يرد مراراً في الكتاب المقدس بعهديه، ويرتبط كثيراً بالله وكلمته: (أم 8: 22) "اَلرَّبُّ قَنَانِي أَوَّلَ طَرِيقِهِ مِنْ قَبْلِ أَعْمَالِهِ مُنْذُ الْقِدَم".

كلمة "أوَّل" في الأصل العبرية "بداية" وفي الترجمة السبعينية اليونانية تعني في البدء. ولأن الله غير زمني وغير مُبتدئ ولا مُنتهي فيشير البدأ هنا إلى اللا زمن, أي أن المعني "الرب إقتناني قبل أعماله منذ القدم قبل الزمن".

ويبيِّن البشير يوحنَّا بوضوح: وإلهاً كان الكلمة، إلها كائناً أبداً، لا بداية له أزلياً لا يُدنى منه الّذي هو دوماً مساوٍ في الجوهر وجالساً على العرش وله الطبيعة ذاتها وغير منفصلٍ عن الآب والروح القدس.

وأما ولادة كلمة الله الثانية فهي الولادة الجسدية الّتي لبس فيها الكلمة بدل الصوت جسداً لأنه يقول: جسداً. وصار الكلمة جسداً. إنَّ كلمة الله هذا قد صار إنساناً مثلنا لكي ينير ذهننا ويكشف لنا مشيئة الله.

وأما بقوله: "والحياة كانت نور الناس" فيقول كما أنَّ الظلمة الأبدية هي ظلام بالنسبة للخطأة هكذا والمسيح الحياة الأبدية هو نور وفرح الأبرار. والنور يضيء في الظلمة وأما الظلمة فلم تدركه. إنَّ نور اللاهوت هو كلمة الله وأما الظلمة فهي الطبيعة الخاطئة. الظلمة لم تدركه أي أنه لم يصنع خطيئةً. وأيضاً: فإنَّ الظلمة هي عبادة الأصنام وكثرة الآلهة الوثنية الّتي لم تظهر نور المسيح الحقيقي ولكن ظلمة الخطيئة وعبادة الشيطان قد اضمحلَّت من قدومه.

إنَّ هذا الكلمة الّذي هو الإله والخالق الحقيقي للكل قد صار إنساناً بالجسد وأخذ جسداً من العذراء مريم الكلية الطهارة بوساطة فعل الروح القدس بلا زرعٍ والّذي به حجب نوره الإلهي كما بحجابٍ.

إنهم لم يقبلوا النور الحقيقي والحياة الأبدية حتى يثبتوا برَّهم. وأما الجميع الّذين قبلوه فأعطاهم سلطاناً ليصيروا أبناءً لله. إنَّ هذا السلطان هو قوة المعمودية لأنها هي الّتي تجعلنا أبناءً لله وبها نُستنير بواسطة الروح القدس ونولد من جديدٍ للحياة الأبدية. بعد أن نخلع خطايانا ونتسربل بالروح القدس.

أحبائي كلمة أخيرة: لقد كان للمسيح هذا المجد من الآب أي من ذاته. لأنه قد تمجد أنبياء كثيرون ولكن من النعمة الإلهية وليس من ذاتهم. أمَّا ابن الله فله مجد أزليٌّ من تلقاء كيانه الإلهي. وفيه يكمن كلُّ المجد وجميع الصالحات الّتي أعدها هو من أجلنا على مرأى العالم أجمع. ونحن قد قبلنا نعمةً منه أي استنارةً لنفوسنا، تطهيراً من خطايانا وحياةً خالدةً. لأنَّنا كلُّنا نحيا فيه وبه أصبحنا ورثةً لملكوته السماوي ونعمته.

معنى كلمة الفصح
إذا عدنا إلى اللغة السريانيّة والعربيّة نجد أن كلمة "فصح" ومشتقّاتها تدلّ على الإفصاح، أي التعبير عن قول أو عمل، وبالمعنى الواسع تدلّ على التحرير والانطلاق بحريّة والعبور من أرض الشقاء إلى أرض الحريّة والرخاء، أو الخلاص من العبوديّة. والخلاص هو سبب الفصح. وهذا العبور قد دام على مراحل حوالي أربعين سنة. والإنسان ينتظر راجيًا الخلاص ومجيء هذا المخلّص…

أصبح هذا العبور، في الفكر اليهودي وفي الفكر المسيحي، مثالاً ومعنى لكلّ خلاص من أيّ مأزق، أو كلّ نجاة يصنعها الله لخير الإنسان. والعبور أو الخروج من الضيق إلى الخلاص هو دلالة على ولادة جديدة، كالمعموديّة التي تدلّ على الولادة الجديدة بالمسيح "إن لم يولد الإنسان من الماء والروح لا يستطيع أن يدخل ملكوت السماوات.

طروبارية العيد على اللحن الخامس

المسيح قام من بين الأموات، ووطىء الموت بالموت، ووهب الحياة للذين في القبور
الايباكوئي (الطاعة)
سبقت الصبح اللواتي كنَّ مع مريم. فوجدنَ الحجرَ مدحرجاً عن القبر، وسمعن الملاك َ قائلاً لهن: لم َ تطلبن الذي هو في النورِ الازلي مع الموتى كانسانٍ. انظرن لفائف الاكفان، وأسرعن وأكرزن في العالم بأن الرب قامَ وأماتَ الموتَ. لانه ابنُ اللهِ المخلصُ جنسَ البشر.

القنداق باللحن الثامن
ولئن كنت نزلت الى قبرٍ يا من لا يموت، الا أنك درست قوة الجحيم، وقمت منتصراً أيها المسيح الإله، وللنسوة حاملات الطيب قلت افرحن، ولرسلك وهبت السلام، يا مانح الواقعين القيام.

بدل الترصاجيون (قدوس الله) نرنم باللحن الخامس
انتم الذين بالمسيح اعتمدتم، المسيح قد لبستم. هليلويا.

القيامة
الايكونومس بطرس ميشيل جنحو

"يفرح قلبنا لأن النور قد جاء" (يوحنا 16: 22). نفرح ونعيد أيضاً حول قبر الحياة، الينبوع الأبدي للنور الذي لا يغرب والحق، لأن "النور قد جاء"، وقام مخلصنا من بين الأموات بمجد وداس الموت، وسحق قوى الشر، وهو نور من نور، وبدد ظلام الخطيئة والضلال.

إذ تعرض كنيستنا المقدسة قبر الرب الكلي القداسة والقابل للحياة كرمز للقيامة، ينال العالم، بواسطة القيامة المجيدة، طعماً ثميناً لمعنى روحي واسع يرتفع إلى واجب المحبة والخلق والإحساس والاشتراك الفعال للجميع في رفع البشرية إلى الروحيات وكل ما يفوق العالميات.

"قيامة السيد هي تجديد لطبيعة الإنسان، إنها الصياغة الجديدة لأدم الأول الذي ابتلعه الموت بالخطيئة والذي عاد بواسطة الموت إلى الأرض التي أخذ منها… إنها (أي القيامة) العودة إلى الحياة الأبدية… ولكن آدم الأول، هذا المخلوق الذي خرج بهياً من يدي الخالق وتقبل نفحة الحياة، لم يره أحد لأن في هذه الأثناء لم يكن بشر قد خلقوا ليشاهدوه، إلى أن وجدت حواء وهي أول من عاينه! وكذلك آدم الثاني، أي السيد بعد قيامته، لم يعاينه أحد إذ لم يكن أحد من ذويه موجوداً أثناء تدحرج الحجر عن القبر إلا "مريم المجدلية ومريم الأخرى" والحراس كانوا كالأموات. أن أول من تمتع برؤية القيامة واغتبط بنعمتها وشاهد بهاء لحظتها دون غيرها، كانت بلا شك، مريم والدة الإله! إنها الأولى بين كل بني البشر التي تسلمت البشارة لأنها هي التي تستحق تلك الرؤيا. ولم تكتف برؤيته بعينيها وسماعه بإذنيها بل كانت الأولى لتلمس قدميه الطاهرتين. لأن من أجلها، فتحت كل الأشياء في السماء وعلى الأرض. من أجلها كان الملاك شديد البهاء. وبما أن الليل كان في آخره والدنيا مظلمة، فقد رأت مريم بأشعته الفياضة القبر فارغاً والأكفان موضوعة ومرتبة! أما الملاك المبشر بالقيامة فلم يكن سوى جبرائيل… عندما رآها منطلقة نحو لحد ولدها، هو الذي بشرها قائلاً "لا تخافي يا مريم لأنك نلت نعمة عند الرب" هو ذاته يسرع اليوم، نازلاً من الأعالي، ليعلن للدائمة البتولية، قيامة ولدها الذي ولد منها بدون زرع! فيدحرج الحجر ويجلس عليه…

أن يسوع الإله الكلي القدرة هو رب الحياة والموت، قام من بين الأموات بعد أن بقي في القبر ثلاثة أيام وملك إلى كل الدهور. لكن أعداء القيامة لم يزولوا أبداً. ففي كل عصر نرى الإنكار وعدم الإيمان. ولكننا نحن أبناء هذا الزمان الحاضر، أبناء النور والعلم والتقنية، الذي فيه نقف شهوداً على كل ما يجري حولنا. فالأنظمة المادية، والنظريات العالمية السلبية، والفلسفة التي لها أساس غريب عن الإيمان بالكلية. ووسائل الأعلام والمدارس، والمحاضرات كلها تصب في علاقة متسقة وطرق واحدة، تخدم هدفاً واحداً ألا وهو إنكار القيامة وإظهارها كأسطورة ونظرية عابرة.

وعلينا نحن الذين نؤمن بقيامته أن نجاهد لنلحق بالقائم والمنتصر على الموت في حياة التقديس والتجديد الروحي اليومي. فلنعمل يوماً بعد يوم لنصير "أبناء النور" و"أبناء القيامة". مظهرين حقيقة القيامة بحياتنا المنبعثة. وهذا ما نريده ونحن نعيش في وسط جو الفرح والسلام الذي ننعم به في هذا البد الآمن بقيادة جلالة ملكينا عبدالله الثاني بن الحسين سدد الله خطاه وأعز ملكه.

اللهم فليكن هذا الفرح يعمر قلوبنا وأفئدتنا في كل وقت وكل عام وانتم بخير.