موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الثلاثاء، ٢٤ ديسمبر / كانون الأول ٢٠١٩

ولد لكم اليوم مخلص، وهو المسيح الرب

بقلم :
الأب منويل بدر - الأردن

بكل بساطة أسألكم: كم عيد ميلاد صرتم قد عيّدتُم في حياتكم. كما وأسألكم: هل عمركم سمعتم نصّا غير هذا النص أو خبرا غير هذا الخبر في كل القداديس التي حضرتموها حتى اليوم: لقد ولد لكم اليوم مخلص، وهو مضطجٍع في مذوَد. أو : والكلمة صار جسدا وسكن بيننا. الله صار إنسانا: أخلى نفسه، آخذا صورة عبد في شبه البشر (فيلبي 2: 7) عقيدة الإيمان هذه لا خلاف عليها في هذي الليلة بين كل الكنائس، وإن ما كانت متحدة مع بعضها على عقائد إيمان أخرى، لكنها كلّها تصلي بفم واحد هذه الليلة، ليلة الميلاد، ومتفقة بالإعتراف بأن هذا الطفل الذي يلد في مغارة ويوضع في مذود، هو يسوع ابنُ الله والمخلّص الموعود. في هذه الليلة قد انتهى العهد القديم أي ما قبل المسيح، وبدأ العهد الجديد أي مع المسيح. في هذه الليلة قد تجلت نعمة الله وظهرت محبّته لنا بصورة طفل، إذ هو أصبح واحدا منا. الكلمة صار جسدا وسكن بيننا. وإن أناشيد الكنيسة بموسيقاها العذبة المعبّرة وصلواتها التي تخرق العقل والقلب بوصف ما حدث في هذه الليلة، هي خير برهان للفرح الكبير في العالم، على ميلاد هذا الطفل الفريد، الذي هو ابن الله، سبب فرحنا منذ أكثر من ألفي سنة. الا افرحي، نعم افرحي يا بشرية فقد حلّ بينك خلق جديد. هذا بعض من كثير تحتوي عليه طقوس هذه الليلة، التي هي أجمل ليالي السنة. إن قلبنا لعارم بهذه الفرحة الكبيرة التي يحتفل بها العالم كله في هذه الليلة الفريدة. إننا وإن كنّا ناضجين، فإنَّ فرحة الطفولة، تدغدغنا للإحتفال بهذا العيد، إذ نعرف الآن أن محبة الله تغمرنا، وإن ملكوته قد حلّ بيننا. فقد صرنا أبناء الله ونحن كذلك. وبما أنه أخذ جنسيتنا وبَشَرِيَّتَنا، في شخص ابنه، فقد جعل من الّذين قبلوه، أن يصبحوا أبناءه (يو 1: 12). نعم في هذا المولود نكتشف وجه الله وشعوره نحونا: هو الذي سيقول: من رآني فقد رأى الآب. من هنا إيماننا بصحة بشارة الملاك جبريل، أن هذا الطفل ما ولد بطريقة بشريّة كباقي البشر وإنما بحلول الروح القدس في أحشاء مريم، لذا فالمولود منها يُدعى ابنُ الله، وهو كذلك (لو 1: 35) إنّ قراءة قصة ميلاد هذا الطفل مشوقة كفيلم ناجح، لا يريد المشاهد تغييب أي مشهد حتى يُسدل الستار. محتوى ونقاط هذا الفيلم. بدأ بالوعد بمخلص منذ خطيئة آدم، وبقيت الأجيال تنتظر ظهوره حتى تمّ الزمان، كما قال بولس الرسول، عندها تدخل الله بشكل خيالي، حيث أشرك القيصر الروماني أغسطس بطريقة غير مباشرة، لكن حاسمة، حتى يلد هذا الطفل في مدينة بيت لحم. حيث حدث نقص في مالية البلاد فتمّت طريقة جمع الضرائب من أهلها لأول مرة في التاريخ، وأمر القيصر بأن يرجع كل مهاجر إلى بلده ومسقط رأسه، كي يُحصى فيه ويَدفع الجزية. وبما أن مسقط رأس يوسف هو بيت لحم، فقد اضطرّ للرجوع مع مريم خطيبته، حتى تتم نبؤة أشعيا: من بيت لحم دعوت ابني. وهناك تمت أيام ولادتها فولدت ابنها البكر. ثم قمّطته ووضعته في مذود، لأنه لم يكن لهما موضع يبيتون فيه (لو 2: 7). وصف لوقا هذا يذكرنا بما قاله يوحنا: لقد جاء إلى خاصته وخاصته لم تقبله( يو 1: 11). أما يوحنا فيضيف: " أما كل الذين قبلوه، أعطاهم السلطة أنهم أبناءَ الله يدعون. كلُّ الذين آمنوا باسمه، الذين ليسوا من لحم ودم، وليسوا من إرادة بشرية، هم من الله مولودون (يو 1: 13). أما ممثلو البسطاء، لا الحكماء والعظماء، لهذا الحدث التاريخي، فهم رعاة الأغنام النائمين إلى جانب أغنامهم، حيث يأتي الملاك من العلى ليبشرهم، فيشع نور الله عليهم، ويخبِرُهم بالفرح العظيم، وهو الله إذن الذي ينير عقولنا وقلوبنا لنفتحها للفرح الكبير الذي يعم الشعوب، إذ اليوم وُلد لنا المخلص في بيت لحم مدينة داؤود: وهو المسيح الرب (لو 2: 11). نعم هذا الطفل المقمط في المذود هو المخلص الكبير، ولو أننا قد تعودنا أن نتصور عظمة الله بشكل آخر، جالسا على عرش فوق الكاروبين. فهل حقا هو الذي ظهر في هذا الطفل الوضيع؟ نعم هذا هو الله! هذا هو إلهنا ومخلصنا! وليس مثله إلهٌ، تواضع بهذا الشكل وصار قريبا منا. هو الإله، صار إنسانا، قريبا كل القرب للإنسان كي يصبح الإنسان أقرب ما يمكن له، هو الله. في ضعف هذا الطفل تجلت قوة الله، إذ هذا الطفل هو مخلص العالم، الذي غمرنا بمحبته لا باستحقاق منا بل بفضل رحمته هو. نعم هذي هي محبة الله الغير مُغرضة والتي لا شبيه لها إلا بمحبة الوالدين لطفلهم، حتى وإن كان عليلا، فهم يحبونه بالأكثر. هكذا فَعَلَ الله معنا، فنحن أبناؤه الذين احتاجوا لحنانه ورحمته. هذه الصفات نجدها في طفل المهد، الذي ظهر في هذه الليلة. فإن السلام الذي سيأتينا منه أقوى وأصدق من كل سلام، ونوره سيطرد كل ظلام فينا وفي عالمنا، وآخيرا نعمته ستُصْلِحُ كلَّ جروح الخطيئة، كما سيقول سمعان قدام هذا الطفل: إن عيناي شاهدتا خلاصك الذي أعددته قدام وجه جميع الشعوب، نورا للشعوب ومجدا لشعبك المختار (لو 2: 30-32). هناك نشيد من أناشيد العيد يقول: لما ضاع العالم وُلِدَ المسيح. ففي طفل المغارة هذا، قد تجسدت قدرة الله ونعمته الخلاصية ولطفه ومحبته لنا. اليوم فعلا تتحق كلماته قبل أوانها، التي قالها للخطأة: مغفورة لك خطاياك. إذهب بسلام. فلنضم أصواتنا إلى أصوات الملائكة ونسبح الله معهم، على أن حياتنا هي علامة قدرته، هو المخلص الرب. "المجد لله.في الأعالي وعلى الأرض السلام وبالناس المسرة.(لو 2: 14).آمين