موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأربعاء، ١٥ يناير / كانون الثاني ٢٠٢٠

هوذا حمل الله الذي يحمل خطايا العالم

بقلم :
الأب منويل بدر - الأردن

الأحد الثاني من السنة الإعتيادية (يوحنا 1: 29-34) "هوذا حمل الله الذي يحمل خطايا العالم" الأوبرات الموسيقية مشهورة بأنها تبدأ بألحان موسيقية عذبة. مؤلفوها أيضًا مشهورون. كلهم اتفقوا على أسلوب التقديم للأوبرا بهذا الشكل: فهم يدغدغوا شعور المستمع ويلعبوا بعواطفه حتى يُشوِّقوه للإستماع الهادىء. تبدأ الأوبرات بعزف الأوركسترا أجمل المقاطع الموسيقية باختصار، يفهم منها المستمع النقاط الرئيسية المُميَّزة التي ستأتي، سواء في غناء أو رقص أو حدث خارق، بُنِيت عليه الأوبرا، من خلاله يعرف المستمع ما موضوع هذه الأوبرا الموسيقية. بعد هذا يبدأ العزف الحقيقي للفصل الأول. في بداية آحاد السنة الليتورجية الجديدة، تُسمعنا الكنيسة النّص العميق، والمُحمّل بالخبر الكبير، الذي يخبرنا عن بداية ونهاية حياة يسوع. نعم من هذا النص، نفهم ما سنسمع عنه، أحدًا بعد أحد، كيف ستجري حياته بيننا، على الأرض التي اختارها، ليقضي عليها حياته وينهيها: هوذا حمل الله الذي سيحمل خطايا العالم. فحواها ومختصرها، هو هذه الجملة على لسان يوحنا. يوحنا كان قد سمع ككل أبناء جنسه، عن النبي والمخلص المنتظر، نعم كآخر نبي في العهد القديم كان في يده سلسلة أقوال ونبوآت وتوقعات كل الأنبياء قبله، عن النّبي المنتظر. كان يعرف عنه أنه ابنُ الله، كان يعرف عنه أنه سيولد من عذراء من نسل داؤد، غير أنه لم يكن قد شاهده حتى الآن. هذا ولمّا حان الزمان لظهوره، باشرت تحدث في الشعب بعض العجائب التي كان الأنبياء قد قالوا عنها إنها ستدل على ظهوره. "العمي يبصرون والعرج يمشون والبرص يطهرون والصمّ يسمعون والموتى يقومون" (متّى 11: 5) خاصّة وأنه قد ظهر في مناطق كثيرة شبه أنبياء، منهم من كانوا يعظون بالحسنى ومنهم من كان يدّعي بصنع العجائب، لذا كَثُرَت الشكوك والتّساؤلات: تُرى، هل أتى النبيّ المنتظر؟ ومن هو بينهم؟ عندها أرسل يوحنا بعض الرسل، ليبعد الشبه عن نفسه بأنه ليس المخلص الذي ينتظرونه، ليسألوه هل أنت المخلص المنتظر، أم ننتظر آخَراً؟ بهذا يرينا الله أنه مع ابنه سيحدث في العالم، ما لم يحدث حتى الآن مع الأنبياء والمرسلين قبله.، إذن قد حان الوقت لظهوره. كانت مهمة يوحنا غيرَ مهمة المخلّص المنتظر. هو النّبي السابق، الذي كان عليه تهيأة القلوب، لاستقبال هذا النّبي، لذا كانت كلماته وتنبيهاته للشعب مؤثّرة، لأنها عن اقتناع. فصار الشعب يتهافت على يوحنا ليسمع منه، كيف يمكنه أن يستقبل هذا المخلص. ويوما، بينما كان يوحنا منهمكا بالرد على السؤالات والتوعيات ومنح عماد التوبة، إذا به يَلْمح وجها أبهجته رؤيته، حنى الرأس أمامه طالبا المعمودية كباقي المتقدمين. أما يوحنا فرفع إصبعه مشيرا إلى هذا الشاب الذي ينتظر دوره قائلا: هوذا حمل الله! هوذا الذي سيحمل خطايا العالم! وأعلن إيمانه به حيث أضاف: إنه ابن الله. فحقاً بين جميع مواليد النّساء لم يلد حتى ذلك اليوم أعظم من يوحنا. زمن الميلاد يكمن وراءنا، ونادرا ما بقى شيء يذكرنا به، حتى إجازات عيد الميلاد قد انتهت وباشرنا حياتنا اليومية الإعتيادية بمواعيدها، والكل عاد إلى وظيفته. ولا ننسى أنّ شجرة العيد قد جفت ونُقلت إلى الحريق. فالسؤال الآن ماذا بقى لنا من ذكريات احتفالاتنا كل الأسابيع الفائتة؟ فإن بقى ذكرى صاحب العيد فينا حيّا، فهذا أهم شيء لحياتنا. ابن الله والمخلص الآن معنا، كما يدل عليه إسمه، أي عمانوئيل أي الله معنا أينما رحنا وأتينا وتحرّكنا، وهذا يكفينا. لكن السُّؤال يبقى: من هو يسوع لنا؟ ألا يخطر على بالنا سؤاله هو لتلاميذه. ماذا يقول الناس: من أنا لهم، والأهم من أنا لكم؟ هل هو لنا أيضًا ما قال عنه يوحنا؟ حمل الله الجديد الذي يحمل على ظهره همومنا ومشاكلَنا وخطايانا؟. نعم عيد الميلاد مربوط بعيد الفصح. عيد الميلاد يذكِّرُنا بعيد الفصح وماذا سيحصل فيه لنا. نعم هو هذا الحمل الذي سيُذبح من أجل معاصينا. فهل نعلم ما كانت مهمة حمل الفصح؟ تذكر التوراة أنه قبل عيد العبور، الذي طلب يهوى من شعبه، يوم الإحتفال به، أن تذبح كل عائلة حملا فداء لخلاصها، وأما رئيس الكهنة فكان يُحضر حملا إلى الهيكل، ويتقدم الحضور ويلمسوه بمعنى أنهمْ يحمِّلوه ذنوبهم، وبعد الإحتفال كان يُعلَن هذا الحمل نجسا، فيقتاده رئيس الكهنة إلى الخلاء ويذبحه ويرمي بلحمه للوحوش. هذا كان في العهد القديم، وأما في العهد الجديد، فصار تطهيرنا من أثامنا بدم الحمل يسوع: الذي قدّمه الله كفّارةً بدمه لإظهار بِرِّه من أجل الصفح عن الخطايا السالفة"(روم 3: 24-25). هكذا أراد الله أن تكون مصالحتنا معه، عن طريق ابنه وبموت هذا الإبن كالحمل. "وأنا متى ارتفعت جذبت إليّ الجميع" (يو 12: 32). هذا وقبل أن يصل إلى هذه النقطة، فقد أمضى حياته يبشر ويعمل العجائب، يشفي المرضى ويغفر الخطايا ويقيم الموتى، سبع مرّات كثّر الخبز وأطعم الجائعين، كما وأظهر حنان الله وعنايتَه للبشر، بمثل التفتيش عن الخروف الضال والإبن الضائع. كثرة هذه العجائب وبالأخص تنويعها ما كانت تحدث في الشعب، لذا فقد حانت الساعة كي يظهر المخلص إذن على الساحة ويباشر بنشر ملكوته، وبالتالي كي يُظهر صدق رسالته، أي بإتمام إرادة أبيه: أتيت لأعمل إرادة أبي (يو 4: 34). وإرادة أبيه كانت أن يموت ابنه كالحمل فداءً عنا. نعم هوذا حمل الله، الذي يحمل خطايا العالم. آمين