موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأربعاء، ٢٨ نوفمبر / تشرين الثاني ٢٠١٨

مقابلة مع الإنجيلي لوقا في بداية السنة الليتورجية الجديدة‎

بقلم :
الأب منويل بدر - الأردن

بداية السنة الليتورجية-الكنسيّة تختلف عن بداية السنة الحسابيّة العالميّة، لأنها تهدف إلى توصيل رسالة دينيّة لا غير. لذا فهي تبدأ وتنتهي حسب روزنامة دينيّة لا علاقة لها بالرّوزنامة المدنيّة ولا تهمّ إلاّ جماعة المؤمنين. الأحد الأول من المجيء هو أول يوم من بداية سنة مسيحية كنسيّة جديدة، هي السنة 2019 بعد المسيح. في هذه السنة سنسمع وسنقرأ وسنرافق, أحدا بعد أحد، سيرة يسوع بحسب إنجيل القديس لوقا الذي كتبه لتلميذه تييوفيلوس وابتدأ به بسرد قصة ميلاد المسيح العجيبة. لذا من المحبّذ مثلا أن نستبدل الوعظة بهذه المقابلة الخيالية مع الإنجيلي لوقا، حيث يأتي صحفي حاملا مسجّلا على كتفه وميكروفون في يده ويقابل الكاهن (الذي يمثل دور الإنجيلي لوقا في السنة 90 بعد المسيح) ويطرح عليه هذه الأسئلة. مقابلة مع الإنجيلي لوقا الصحفي: يا لوقا تحيّة لك منّي ومن جميع المستمعين لإذاعتنا المحلّية، الّتي ستبثّ كتابك هذه السّنة على مؤمنيها! ألا إسمح لي أن أطرح عليك بعض الأسئلة عن حياتك وإنجازك الأدبي التّاريخي. أنت ولدتّ في أنطاكيا – اليونان اليوم عام 70 بعد المسيح، الّذي ما شاهدته ولا عرفته شخصيّا، لكنّك كتبت كتابا مُهما عنه يدعى باسمك "إنجيل لوقا". لقد كنت سابقا طبيبا متنقلا فما الذي دفعك أن تكتب كتابا عن المدعو يسوع المسيح؟ لوقا: نعم للأسف لم يوافني الحظ وأتعرّف شخصيّا على يسوع. هذا وقد قد مرّت بعض السنين بعد موته وقيامته حتى وصلتنا هذه الأخبار على يد الرسول بولس الذي قَدِمَ الينا في أول جولاته التبشيريّة الى اليونان. هذا وقد كنت تعرّفت أيضا على رجل آخر اسمه مرقس، هو أيضا كان قد دوّن ما رأى وسمع من بطرس عن المدعو يسوع المسيح. وإذ أعجبني ما قرأت وسمعت عن هذا الشخص الملقّب بابن الّلــه. فقد دفعني فضولي أيضا إلى إستكتشاف أكثر ما يمكن عنه. فقمت شخصيا بزيارة بعض الرعايا التي بشّر فيها الرسل وسألت وفتشت عن كل ما كان يتبادل به الناس عن هذا الشخص. وبعد إلمامي الكبير بهذه الأخبار السارة، طلب مني المؤمنون هنا في اليونان أن ضع لهم معلوماتي خطّيا، وهكذا كان . فكتبت الكتاب المعروف بإسمي "إنجيل لوقا" الذي أنا فخور به! الصحفي: لكننا نعلم أيضا أن هناك شخصا آخر إسمه متّى وبنفس الحقبة التاريخية تقريبا كتب هو أيضا كتابا آخر عن المدعو يسوع المسيح. كلاكما تتحدّثان وتصفان قصّة ميلاده، ولكن كل على طريقته. فهل تفسّر لنا هذا الإختلاف بوصفكما هذه القصّة؟ لوقا: أنت تقول وصف. إن غايتنا ما كانت فقط سرد حادث عابر. الصحفي: ماذا إذن؟ لوقا: أنا أشرح لك ذلك. ولنبق أولا بقصة الميلاد. أنت لاحظت أن ما كتبته أنا لا يختلف إلا بالشكل الخارجي عمّا كتبه زميلي متّى. هذا صحيح. لكنك إن تمعّنت بالمحتوى فلا اختلاف إلا بأسلوب الكتابة، إذ لكل منّا أسلوبه الخاص. في الكتابة. فأنت تستكشف عندنا الإثنين أن مريم هي أم يسوع وكانت مخطوبة لرجل إسمه يوسف من الناصرة من نسل داؤود من بيت لحم. هذا وقد حبلت مريم بيسوع الذي ولد في مدينة أجداده بيت لحم بأعجوبة خارقة ما سمع إنسان بمثلها من قبل. "الرّوح القدس سينزل عليك، وقوّة العلي تظلّلك". الصحفي: لكن لماذا يختلف وصفك عن وصف متّى في بعض المواقف؟ لوقا: المحتوى والغاية واحدة، كما قلت لك، ولكن لكل منا أسلوبه الخاص بالكتابة في وصف ما يرى، إذ لا يهمنا في النهاية إلا تشويق البشر للتعرّف على يسوع، ليؤمنوا به. لذا أسرد أنا لهم قصصا حقيقية عنه. وبهذه الطريقة تعرّف عليه الكثيرون من اليونان والرومان الّذين قرأوا كتابي واطّلعوا على ما صنعه لهم وللعالم أجمع، فآمنوا به. الصحفي: أنت تعني أن كتابك هو بمثابة كتاب يحث على الإيمان؟ لوقا: نعم. وهو كذلك. فأنا يهمني أن تبقى قصة يسوع حيّة بين البشر لتقنع ليس فقط البسطاء منهم بل والمثقّفين من فلاسفة يونانيين أو رومانيين، حيث أنّه هو شخص غريب لهم، وبدخوله إلى العالم قد غيّر التاريخ. المعروف. الصحفي: لذا كنبت أنت قصة الميلاد الغريبة؟ لوقا: ماذا تعني بالغريبة؟ الصحفي: أعني قصة ميلاد يسوع على أيام القيصر أغسطس الذي أمر ولأوّل مّرة بإحصاء الشعب المشّرد، وذلك لجمع أموال ضرائب منهم كانت ناقصة في صندوق الدّولة، لأن السّاكنين منهم خارج حدود حكمه، ما كانوا يدفعون جزية. فاضطر يوسف للرجوع إلى بيت لحم حيث ولدت مريم ابنها الذي بشّر به الملائكة للرعاة، موصيا إياهم بزيارته في المذود. لماذا تذكر كل ذلك في كتابك؟ لوقا: أنا أريد أن يعرف قّرائي من البداية أن يسوع هو المخلص والفادي لجميع الشعوب، لذا أربط هذا الحدث بما هو معروف لديهم من حوادث يوميّة أو تاريخيّة يعرفونها، إذ غيّرت مجرى حياتهم. الصحفي: لذلك تذكر مثلا القيصر أغسطس؟ لوقا: بالضبط، فإن القيصر الروماني أغسطس كان يعتبر أعظم شخصية في زمانه وكان كل الشعب يعتبره المخلص وصانع السلام في العالم إذ معه ابتدأ عهد جديد. أما في كتابي فأبدد هذا الوهم وأكّد أن السلام الحقيقي ورسول السلام هو يسوع المسيح. فهو هديّة الله الكبرى للبشر. هو وريث الملك داؤود الذي تنبأت به الكتب من آلاف السنين. لذا تمّت ولادته في مدينة بيت لحم حيث توّج داؤود ملكا مثلما تنبأ النبي ميخا بذلك. وما دور القيصر أغسطس إلا المساهمة بإرجاع مريم ويوسف إلى بيت لحم لتتم النبوءة بملىء الزمان. الصحفي: أنا أشعر يا لوقا أنك تشهد لشيء ليس لك فيه ضلع بل هو من الله فهل يؤكد زميلك متّى أيضا ما تقول؟ لوقا: زميلي متّى يكتب لقرّائه اليهود. لذا فهو يذكر لهم مرارا وتكرارا ما هو مكتوب في توراتهم التي كانوا يعرفونها ويحفظونها عن ظاهر القلب. ومقصده أن يبرهن لهم أن يسوع هو ذاك الشخص الذي تنبأ به أنبياؤهم من زمان وكانوا هم بانتظاره. كما أن قصة المجوس الأوثان تريد أن تقول لهم أننا نحن الأوثان أيضا مدعوّون لاعتناق الإيمان بيسوع مثلهم. الصحفي: هذا واضح لي. لكنني أتساءل من جديد: لماذا التبشير بيسوع مختلف بينكما؟ لوقا: كي تفهم ذلك هاك هذا المثل الواقعي: إذهب أنت وعائلتك إلى حفلة ما ثم إجعل كل فرد يصف ما عاش وشاهد في هذا العيد. فسوف تكتشف أن كل مشارك عاش ووصف العيد على مفهومه الخاص. وفي النتيجة لا ينكر أحد منهم أن هناك عيدا ما جرى. فهل تظن أنه لم يحدث معنا نفس الشيء، نحن الإنجيليين؟ الصحفي: أنا شاكر لهذه المقابلة الشيقة. فباسمي وباسم جميع قرّائي وسامعيّ على الأثير أشكرك على هذه المعلومات الشيقة، التي أتحفتنا بها وأوضحتها لنا في بداية هذه السنة الجديدة. لوقا: شكرا لك ولهم أيضا! أيها القرّاء الكرام! على مدار هذه السنة سنسمع وسنكتشف محتوى إنجيل القديس لوقا الذي يصف لنا أسرار يسوع الذي نأمل رويدا رويدا أن نعرفه ونحبه ونكرّس له حياتنا، التي لا تكتمل إلا به فيبقى محتوى رسالته لنا ولكل إنسان حيا حيويا. متمنّيا لكم بداية رأس سنة كنسية مقدّسة ببركة يسوع هذا وشفاعة أمه مريم البتول.