مشاهدة القدس من جبل الزيتون

رُويداً رُويداً نَقْتَرِبُ مِــنْ جبلِ الزّيتون فَيَبْدَأُ الْقَلْبُ فينا يَرْقُصُ فِعْلاً كالمجنون آهِ يا قُدْسُ، يا مدينةَ الحُبِّ والسَّلام! لِماذا لَمْ تَعْرِفي سَلامـاً على الدّوام؟ لِماذا شُعوبُكِ وبنُوكِ دائماً حاقِدين علـى بَعْضِهِمْ، بـالسِّلاحِ مُدجَّـجين ما مِنْ مَدينةٍ مِثلَكِ جَرى عليها التَّاريخُ والزّمان لِمَ يا أورشليمُ ما عَرَفْتِ ما الهدوء ولا ما الأَمان ما مِنْ مدينَةٍ مِثْلَكِ وَقَعَتْ تَحْتَ كَثيرٍ مِنَ الحُكّام مِنْهُمُ مَنْ دَمَّروا البُنى وَمِنْهُمْ مَنْ رَمَّموا الحُطام فَما بَقيتِ حِصْنا لا للعُقلاءِ ولا للْحُكَماءِ والأبرياء بَلْ عُرْضَةً لِلْمُستعمِرينَ الظَّالِمينَ على حَدٍّ سواء كُلّما جاءَكِ نَبيٌّ مِنْ فَوقُ لِيُهْدِيكِ إلى الرَّشاد كُلّما حَكَمَكِ ظالِمٌ أوْ مُسْتَعْمِرٌ مَنَعَ فِيكِ العِباد كـأنَّ رُسُـلَ السّمـاءِ والمُبشِّريـنَ وَهُمْ عِدَّة لَمْ يطَأوا أرْضَكِ وما سَمِعْتِ أبداً بالمودَّة؟ آهِ يا أورشليمُ! آهِ! كمْ وَدَدْتُ أنْ أجْمَعَ بنيكِ َتْحَت حمايتي كما تجمع الدجاجة صغارها تحت جناحها فأنت رفضتي يا أورشليمُ! يا أورشليمُ! يا قاتِلَةَ الأنبياء تُوبي واقْرَعِيْ صَدْرَكِ واسْمَعي لِهَؤلاء فالسِّلاحُ والمُعَسْكراتُ الكثيرةُ مِنْ حَوْلِكِ عاجِلاً أم آجلاً واللهِ مِنَ الدّمارِ لَنْ تَحْمِكِ لكِنَّكِ لَمْ تَذُلِّي بَلْ ظَلَّ رَأْسُكِ مَرْفوعاً يَنْتَظِرُ النهار حتّى جاءَ المسيحُ وَغَسَلَ عَنْكِ وَعَنْهُمُ الإِثْم والعار فَأَنْتِ مَدينةٌ صُلْبَةٌ حَصَلْتِ على ما حَصَلَتْ عليه مدينة لِذا نَشْتاقُ لِزِيارَتِكِ بَلْ للسُّكْنى والْمَوْتِ فِيكِ مِيتَةً أمينة قالوا: لمّا خَلَقَ اللهُ الجمالَ قَسَّمَهُ لِعَشْرَةِ أَقْسام أَعْطى الْعالَمَ واحِداً مِنْهُ وَتِسْعَةً لِمدينةِ السّلام ولمّا خلقَ اللهُ الأَلَمَ قَسَّمِهُ أَيْضاً لِعَشْرَةِ أقسام أعطى الْعالَمَ حُصّةً والباقي كُلَّهُ لِمدينةِ الآلام آهِ ما أَجْمَلَ الطَّلَّةَ عليكِ مِنْ جَبَلِ الزّيتون مـا أَوْفـاها حَقَّـها لا الْكُتّــابُ ولا الْفنَّانون فَأَنْتِ صُورَةُ السَّماءِ، مَسْكِنِ اللّــهِ تعـالى فيكِ الأنْبياءُ والْقِدِّيسونَ والْملائكةُ تَتَباهى قالوا إِنِ اشتاقتْ عيناكَ يوماً لرُؤْيَةَ الجنّة فانْظُرْ إلى أورشليمَ فَهْيَ الجَميلَةٌ بِلا سُنّة رَأَيْنـاكِ مِـنْ جبلِ الزّيتونِ يا عَروسَ المُدُن رَوْعَةٌ أنتِ! أخَذْنَا لَكِ صُوَرْ أَنْتِ جَنَّةُ عَدَن