موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأربعاء، ٢٣ يناير / كانون الثاني ٢٠١٩

لا حياةُ بلا كفاح: أم تنقذ ابنها الكاهن من اليأس

بقلم :
الأب منويل بدر - الأردن

منذُ الصِّغَرِ وأنا عائشٌ تحتَ ظِلِّ كنيستي أسمعُ دقّاتِ أجراسِها فَهْيَ الوحيدةُ بقريتي صباحاً أُحيٍّ حارِسَها وفي المساءِ كاهنَها أحبَبْتُهُا وأحبّوها وأنا عالِمٌ أنَّهُمْ يخدمونها إلى جانبِ الكنيسةِ تقومُ مدرستُها الابتدائية زيارتُها حَتْمِيَّةٌ حتّى نَنْتَقِلَ منها إلى العُلوية أَحبُّ درسٍ لِيْ فيها هو الدّينُ ومقتبساتُه يُلْقيهِ علينا الكاهنُ كُلّما سمحتْ لهُ أوقاتُه يوماً دعاني لحديثٍ أَعْجَبني مُحْتواهُ البسيط قالَ اكْتَشَفْتُ أنّك مِنْ مُحِبّيِّ العِلْمِ بلا وسيط فإنْ كانْ لكَ طُموحٌ للمستقبَلِ لتصبح سعيدا ألا اخْتَرِ الكهنوتَ وظيفةً َفتَصِلَ فيها بعيدا قلتُ أنا لستُ محبوباً بينَ زُملائي في ذي القرية سيسخرون مِنّي ويقولون لاحِقاً وَصَلَها بالرشوة قال ذا أحْسَنُ بُرهانٍ لَهُمْ تُغَيِّرُ السّلوكَ فيقبلوك ويقبلوا رِسالٍتَكَ إنْ لاحظوا أنَّكَ غيَّرْتَ السلوك تركتُ قريتي لسنينَ حَصَّلْتُ فيها ُالعِلْمَ الكافي للقيامِ بِمَهامِ الكنيسةِ ْمِن أَهَمِّها التَّبْشيرُ الوافي بعدَ الرِّسامَةِ هلَّلَ أهليْ وصُحْبيْ بابَ الكنيسة ورفعوا الأعلامَ إلى جانِبِ اليافطاتِ الغريزة زَغْرَدَتِ النّساءُ ورقصَتْ على لحْنِ الطبول فالأفراحُ في القُرى مَعَ الرَّقْصِ تُلاقي قبول انْهَمَكْتُ بتأديةِ رسالتي بِكُلِّ أمانٍ وإخلاص أرْبِطُ الّليلَ بالنَّهارِ فقلبيْ كُلُّهُ حُبٌّ وإحساس لا أردُّ طلباً لِمُحتاجٍ يَدْعوني ليلاً فنهارا أنا مِنَ الشَّعْبِ وللشَّعْبِ صِرْتُ مختارا مضتْ أيّامٌ تَبِعَتْها شُهورٌ وسِنينُ عليَّ سريعة ما افْتَكَرْتُ بالرّاحَةِ فالراحَةُ ليْ لحظَةٌ مُريعة ظَنَنْتُ والظنُّ خادِعٌ للجُهودِ المبذولَةِ الكبيرة أنِّي اكْتَسَبْتُ الكثيرينَ فكانَتِ الحقيقةُ مريرة مَنِ احْتاجَنيِ اسْتَغَلَّ طِيبَةَ قلبيْ فَهذيْ مِنْهُ خِدعة وما أقومُ بِهِ بالتّالي هُوَ لهُمْ نَوْعٌ مِنْ أنواعِ البدعة فارَقَتْنيِ الشّجاعَةُ قَبْلَ ما وَصَلْتُ نِصْفَ الطّريق فما سَمِعْتُ مِنْ سوالِفَ مُحرِجَةٍ صارَتْ ليْ معيق راحَتِ الفَرْحَةُ وجاءَتِ التَّرْحَةُ ثقيلَةً على قلبي لذا بَكَيْتُ مُرّاً وناديتُ ما لي مَلْجَأٌ سِواكَ ربي رَجَعْتُ إلى نفسيْ صُمْتُ وصلّيْتُ وناديت إلاّ أني لَمْ أَسَمعْ صوتَكَ ولا بِحُبِّكَ شعرت فما عادَ يَلَذُّ ليْ طعامٌ لا ولا شرابٌ ولا منام لا ولا الرُّجوعُ إلى النَّشاطِ المُعتادِ والإهتمام رَغْمَ كرٍّ وفرٍّ وصَمْتٍ وصلاةٍ خانَتْنيْ أعصابي فذَهَبْتُ إلى أُمّي لِأُطْلِعَها على ما يُنَغِّصُ شبابي قُلتُ يا أُمِّي! أَصْدَقُ الأَصْحابِ صاروا أعداء فهذيْ طَعْنَةٌ في الصّميمِ فَهَلْ عِنْدَكِ أنتِ دواء إنْصحيني قُلتُ في قلبيْ غَصَّةٌ وفي عَيْنَيَّ دمعة أنتِ حكيمةٌ وفي سِنِّكِ الكلامُ مِنْكِ هُوَ ليْ روعة وَضَعَتْ يدَها فيْ يديْ وعينَها فيْ عَيْنيْ متنهِّدة ابني قالتْ إعْرِفْ حياتُكَ للتَّجاربِ دائِماً مهدّدة أيُّ إنسانٍ اسْتأَجَرَ المديحَ والسّعادَةَ لهُ طولَ الحياة هو لَمْ يولَدْ بعدُ ولنْ يولدْ في عالَمٍ قَلَّتْ فيهِ الصلاة فلا العُزوبِيَّةُ ولا الزِّيجةُ ولا الكهنوتُ فيْ بُرْجِ عاج طابَ الحديث ُعنها لِمَنْ لا يَقْبَلْها وفيْ نَفْسِهِ انزعاج لإبليسَ أتباعُهُ في كُلِّ بُقْعةٍ صالِحَةٍ يُحيطُها بعراقيل أمامَ مُحبَيِّ الله يوهُمُهُمْ هُمْ بحمايَتِهِ لا بحمايةِ جبريل كما ويُكْثِرُ أمامَهُمْ اغراآتٍ شهِيَّةً تحتلُّ الصدارَة تُشْغِلُهُمْ عنْ واجِبِهِمِ المُهِمّ وَهْوَ الصّلاةُ والبشارة كما ولا تنسَ فَهْوَ يُقنِعْهُمْ بالفَشَلِ الضَّريعِ لا بالنجاح فيموتَ الحماسُ في القلبِ فيَدْخُلْها المللُ لا الإرتياح يا ابنيْ أنا فخورٌ بِكَ وعارِفةٌ بِضَعْفكَ فالله يحميك هُوَ دعاكَ وهْوَ يُقوِّيكَ ألا اكْمِلْ شهادَةَ الإيمانِ فيك كُلُّ حَياةٍ فيها شُكوكٌ وحُزْنٌ ومللْ لَكِنْ تَذَكَّرْ مَعْهُ أمل فَهْوَ ما اخْتاركَ عَنْ عَبَثٍ بَلْ بِحُبِّهِ أنتَ وغيرَكَ شمل هُوَ يُعْطيكَ حِمْلاً أنتَ تَظُنُّ أنَّهُ فَريدٌ ولِظَهْرِكَ ثقيل ألا اذْكُرْ ما قالَ حِمْلي خَفيفٌ فَلَنْ تَهْلِكْ ذا مستحيل كُنْ قَويّاً واحْمِلِ الصَّليبَ إذْ هُوَ حَمَلَهُ وسارَ قدامك فإنْ حَمَلْتَ الصّليبَ تَخْلَصْ إنْ نَظَرْتَ فقطْ أمامك لا تنسَ أنَّهُ اخْتارَكَ لِيُرْسِلْكَ إلى كُلِّ مَنْ عليهِ عزيز وأعطاكَ السُّلْطَةَ لِتَقِفْ جانِبَ النّاسِ مُعَزِّياً بلا تمييز نعمْ أنتَ ضعيفُ البِنْيَةِ لَكِنَّ روحَكَ مِنْ روحِهِ قوي مَنْ أسْنَدَهُ الله بِرُوحِهِ يكونُ كالعطشانِ حِينَ يرتوي غَمَرَتْهُ حناناً وكَفْكَفَتِ الدُّموعَ مِنْ عَيْنيهِ المُبلَّلتين فراحَ يرى الدُّنيا بِنظّارَةٍ نظيفَةٍ صارَتْ كنظّارتين أنتَ ابنيْ وأنتَ فخريْ! أيُّ أمٍّ تقولُ هذا الكاهنُ ابني سَعيدةٌ دُنْياً وآخِرةً فهذا يسوعُ آخَرُ تَرَبْرَبَ بحضني صَمَتَتْ وصَمَتَ هُوَ أيضاً فكأنَّهُما غَطَسا في حُلُم ولمّا أفاقَ كانتْ أُمُّهُ قَدِ اختفَتْ وما عادَ بهِ أيُّ ألم هذي نصائحُ أمٍّ لابْنٍ خارتْ قِواهُ بمُنتصفِ الطّريق يا ليت كلَّ يائس يلقى قلبَ أمٍّ يَحميهِ بسرعة البريق (انتهى النظم من هذه ااقصيدة يوم الخميس 15.01.2019، وأذيعت لأول مرة من راديو مريم يوم الخميس 17.01.2019)