موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأربعاء، ٢٩ يناير / كانون الثاني ٢٠٢٠

عيد التقدمة

بقلم :
الأب منويل بدر - الأردن

الأحد الرابع من زمن السنة (لو 2: 22-32) "لقد رأت عيناي خلاص الرب" الشيخ سمعان والأرملة حنة كانا خادمين دائمين في الهيكل، يَستقبلان ويُودِّعان الأمهات اللواتي يزرن الهيكل بعد ولادة أبنائهن. محور صلاتهما، كان، التّوسل إلى الله، أن يرسل مخلص شعبه المنتظر. حنة كانت من سبط آشير أحد أسباط اسرائيل الإثني عشر. لكن يبدو أنها كزوجة فتيه كانت ترملت، ولم يكن الله أرزقها أولادا. بهذه الحالة كانت الأرامل من أفقر الناس، إذ لا معين ولا معيل لهن. لذا فقد دخلت حنّةُ الهيكل فتية، تقدم خدماتها وتعتني بالنساء مثلها، خاصّة عندما كانت الآلاف المؤلفة من كل الأسباط، تأتي من كل حدب وصوب، مرة في السنة، للإحتفال بعيد الخروج، خروج الشعب من مصر، وهو عيد الفصح عندنا، يقدمون الهدايا المنصوص عنها شكرا لله. من هنا عيد التقدمة الذي تعيّده الكنيسة اليوم. وأما سمعان، فإننا لا نعرف عنه الكثير، سوى أنه كان في خدمة الهيكل، من زمن طويل، منتظرا مجيء المخلص الموعود، هذا وقد أُوحي إليه أنه لن يذوق الموت، قبل أن يراه. وذات صباح تفاجأ بزيارةٍ، دون موعد من المدعوّين يوسف ومريم. وبإلهام تعرّف سمعان وحنة، أن الطفل بين ذراعي مريم، هو المخلص المنتظر، فأعلنا كأول أفراد الشعب إيمانهما به. لذا فهما شفعاء زوّار الكنائس والطالبين التّعرف على المسيح في العالم أجمع. 40 أو 80 يوما بعد الميلاد، إذا كان المولود ذكراً أو أنثى، حسب ما هو مذكور في العهد القديم، كانت الشريعة تأمر، أنَّ على المرأة، بعد ما تكون تعافت صحّيا، وتعرّفت على ملامح واحتياجات مولودها، زيارة الهيكل لتطهيرها من دم الخطيئة، وإن كانت ولدت ولدا ذكرا، أن تحضره معها، ليُقدّمُ لله في الهيكل، بطقس ديني، يسمح للأم من جديد بالإشتراك بالصلوات والطقوس الدينية. في هذا الطقس يبارك رئيس الكهنة الطفل، ويُسجِّله على لوائح خدام الهيكل، حين بلوغه السن القانونية. واليوم 40 يوما بعد ميلاد يسوع، نحتفل مع أبويه بتقديمه للهيكل. وقد ذكرت لنا التوراة حادث تقدمة ثانية مشابهة، ألا وهي حادثة حنة أم النبي صاموويل حيث كانت عاقرا، وبعد ما صلّت طويلا، سمعت صوتا باستجابة صلاتها وأنها ستلد طفلا تكرسه لله. فولدت فعلا ابنا في شيخوختها كأليصابات. وحتى تشكر الله على إنعامه، أحضرت الطفل صاموويل إلى الهيكل وتركته عند الشيخ إيلي الذي اعتنى به. بهذا العيد، كان ينتهي زمن الميلاد، وتباشر الكنيسة ليتورجية زمن جديد، هو زمن التوبة، أو مان كان يسمى بزمن الصيام الأربعيني.أما اليوم فزمن الميلاد صار ينتهي بأحد عماد المسيح والذي هو عيد ظهوره حسب الطقس الأرثوذوكسي أي عيد ميلاده. كما قلنا، لهذا العيد إثبات في تعليم العهد القديم،(سفر الخروج فصل 13 ولاوي 12: 1-8) حيث تأمر الشريعة الموسوية أن المولود، إن كان ذكرا بزيارة الهيكل بعد 40 يوما، وإن كان أنثى فبعد 80 يوما، وذلك لتطهيرهما وتكريسهما للهيكل. ولكي يبقى المولود عند وبرعاية أهله، كان عليهما تقدمة فدية: إما خروفا إن كان أهله قديرين، يُذبحُ فدية عنه في ساحة الهيكل، أو أقله زوجي يمام للفقراء. هذا وتذكارا لعيد الخروج من مصر، كان يُعتبر المولود الذكر مُقدّما لله، من هنا تسمية هذا العيد بعيد التقدمة. وهو معروف، وكان المؤمنون يحتفلون به مع عيد النور المريمي، منذ القرن الرابع في أورشليم، ثم انتشر الإحتفال به سريعا في روما. ومن كلمات تمجيد سمعان للطفل فقد أسمته الكنيسة اليونانية عيد مقابلة يسوع مع شعبه. هذه الذكرى وهذه الزيارة يصفهما لنا إنجيل اليوم. مريم ويوسف، يُحضران الطفل إلى الهيكل لتقديمه لله ويُحضران معهما التقدمة المنصوص عنها في العهد القديم، كأهلٍ فقراء. يأتي يسوع إلى هيكله والذي سيشبِّهُهُ بعد 33 سنة بجسده، ليلتقي مع شعبه. وللصدفة يتعرّف رئيس الكهنة سمعان وحنة المسنة التي كانت مُكَرِّسَةً نفسها لخدمة الهيكل، على مخلص إسرائيل، في هذا الطفل الموعود ليكون "نورا ومجدا لشعبه اسرائيل". وحين الوداع، يُرجِع سمعان الطفل إلى أمه، مادِحا الله أنه أتمّ بوعده وأراه المخلص المنتظر بعينيه، وحمله بيديه إلى الهيكل، لذا لم يبق له شيء آخر يريد الآن أن يراه في هذه الدنيا، فيقول: الآن أطلق عبدك بسلام، إذ عيناي شاهدتا المخلص. هذا العيد مرّ في تسميات مختلفة منها عيد تقدمة الرب، أو عيد النور، إذ سمعان يتعرف عليه، كنورٍ لشعبه وللأُمم، أو أيضا في البداية في الشرق سُمِّيَ بعيد الإلتقاء. وأما الغرب فركّز لمدة طويلة، على أنه عيدٌ مريمي، إذ هو عيد تطهير الأم بعد الولادة، كما فهمته الديانة اليهودية، وأسمته مع إصلاح الطقوس الدينية، من البابا بولس السادس، في الستينات من القرن الماضي، قبل انعقاد المجمع الفاتيكاني الثاني بسنوات، بعيد النور المريمي. لذا يبدأ القداس بمباركة الشموع، يحملها المؤمنون بتطواف داخل الكنيسة، كما وتُبارَك أيضا، الشموع الليتورجية التي تحتاجها الكنيسة، أثناء طقوسها خلال السنة. هذا ولمدة طويلة أيضا، كان الناس، لا سيما الفلاحون منهم، يحضرون سلات الشموع العسلية، التي كانوا يضيؤونها في بيوتهم، إذ ما كان أي نور آخرٍ معروف، ولذا كانت أسواق بيع هذه الشموع في تلك الأيام حافلة ومعروفة، وتتبارك مع بركة شموع الكنيسة، وفي آخر القداس، يأخذ كل فلاّح سلّته معه إلى البيت. أمّا مِن أين أتت هذه العادة أي إضاءة الشموع والتطواف بها قبل القداس، فهي ترجَع إلى خُرافة وثنية، مفادها أن إله نور جهنم واسمه Pluton أحب فتاة رومانية، واسمها Proserbina اختطفها وجعلها إلهة بجانبه. أما أهلها فقد فتشوا عنها بالمشاعل والأضواء. وإذ لم يجدوها صارت عادةً عند النساء الرومانيات أن يفتّشن عنها سنويا بجولةٍ، حاملات المشاعل والأضواء في أيديهن. وإذ سمع البابا سيرجيوس الأول (678 – 701) أمر أن تتغير دورة شموع Proserbina بدورة أنوار للعذراء مريم. عيد الميلاد يقع في أعتم أوقات السنة، وأكثر ما نشتاق له في هذه الأوقات هو الضؤ، لذا ننير الشموع الكثيرة أثناء أسابيع المجيء المُعتمة، التي تصل أَوْجَها ليلة عيد الميلاد، بإضاءة أشجار الميلاد في الشوارع والكنائس والبيوت، وتبقى تضاء طيلة زمادالميلاد الذي، منذ إصلاح الطقوس الليتورجية بعد المجمع الفاتيكاني الثاني في أواخر القرن الماضي،أصبح قصيرا. بعيد التقدمة اليوم ،كانوا يقولون يزول الظلام عن العالم، حيث أن مريم تُطفئه ويضيء لنا نورُ ابنها، وأما الملاك ميخائيل الذي تحتفل الكنيسة بعيده يوم 29 سبتمبر، فيشعله من جديد؟ كان يوم 2 شباط هو يوم النور، حتى حمل هذا العيد مدة ًاسمَ عيد النور المريمي، أي عيد تطهير مريم. هذا وكانت أول 12 يوما من فيبروار أيام تنظيف وتطهير بعد انتهاء فصل الشتاء فقد أعطي هذا العيد أيضا إسم تطهير مريم. هذا وقد مارست النساء في الكنيسة الكاثوليكية هذه العادة إلى المجمع الفاتيكاني الثاني، حيث أنهن أول ستة أسابيع لعد الولادة، ما كنّ يذهبن إلى الكنيسة. لكن طبقة اللاهوتيين ما كانت راضية على هذه التسمية، بل طالبوا بتسميته بالحدث، الذي جرى في مثل هذا اليوم، أي تقدمة الطفل يسوع إلى الهيكل، وفِدْيَتُه بالهدية البسيطة، التي تسمح له بالبقاء في حضن عائلته، ما دام لم يبلغ العمر القانوني، للوقوف لخدمة الهيكل الكاملة. فهذا ما عناه يسوع لأهله حينما بقي في الهيكل في عمر الثانية عشرة: ألم تعلما أنه ينبغي لي أن أكون في ما هو لأبي؟(يو 3: 49). لقد نجد في رعايانا العديد من أخويات وأمهات مريمية، منخرطات إلى جانب واجباتهن كأمهات في خدمة عائلاتهن، أيضا كمتطوعات في جميع المجالات الإجتماعية. أكثر هذه الأخويات أتخذت لها شفيعة من القديسات المعروفات، تتمثل بفضائلها، بل وتقمن بواجبات دينية تطوعيّة تجاه البشر. وهذا عمل ديني محمود، يُنمي ويُحيي ويشجّع على إحياء الدّين في الرعايا. لكن مع تجديد الطقوس والأعياد، أوصى المجمع الفاتيكاني الثاني، باتخاذ عيد التقدمة هذا، عيد العذراء مريم، شفيعة إضافية ،لكل الأخويات النسائية، وهل أحق وأشرف من هذه الشفيعة. من الناحية الثانية أيضا، بما أن هذا العيد هو تقدمة الأطفال وتكريسِهم لله، فقد خطر على بال البابا القديس يوحنا بولس الثاني، وأسس عيدا جديدا، أسماه عيد المكرسين، جاعلا من مريم ويسوع الطفل، شفعاء إضافيين لكل المكرَّسين والمكرسات، في الحياة الرهبانية. المهم من كل هذه التسميات والإحتفالات، تقوية الإيمان في النفوس، والإعتراف، بأنَّ يسوع، هو نور الأمم ومخلّص الشعوب. آمين