موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الخميس، ٤ سبتمبر / أيلول ٢٠١٤

شريعة المحبة

بقلم :
وسام مساعده

عالم اليوم يصنع ابن القرن الواحد والعشرين إنساناً انعزالياً بالرغم من كل التقدم والتطور في عالم الإتصال والتواصل الإجتماعي بكافة أشكاله وألوانه (فيسبوك، تويتر، أنستيغرام). أتعلمون لماذا؟ لإن إنسان اليوم صنع عالمه الخاص. في كثير من الأحيان، تجدون اثنان يجلسون على نفس الطاولة، كل منهم في عالمه، الأي فون أو الأي باد، أو ما يسمى سمارت فون. لا يوجد هناك أي نوع من الإتصال بينهما. يمكن أن يتواصلون بلايك أو بكومنت على الفيس بوك. أتعلمون إلى أين وصلنا: وصلنا إلى الإنسان الغير مسؤول عن أخيه الإنسان. هذا ما قاله قايين عندما سأله الله أين هابيل: "ألعلي حارس لأخي؟". كلمات في غاية المسخرة وكلمات تحاول أن تخفي جريمة بشعة بسبب الغيرة والحسد والأنانية. دعونا نتأمل قراءات اليوم ونلقي بضوئها على حياتنا، لتكون لنا منارة خلاص لحياتنا: - كل من يسمع الكلمة عليه أن ينذر كل من لا يعرف الكلمة. أنت لست مسؤول فقط عن خلاص نفسك، فخلاص نفسك مربوط في خلاص أخيك. إذا لم تنذر، إذا لم تنبه، إذا لم ترشد، فالله سيطلب دم أخيك منكَ أنت. معرفتك للرب ليس معرفة خاصة بك فقط. الله لم يخلقك ليضعك في جزيرة. الله خلقك ضمن مجموعة من البشر، هناك نوع من الشراكة التي تجمع كافة البشر. كم من أشخاص ساهموا في خلاص وتغيير حياة أشخاص أخر لمجرد كلمة قالوها خلال ثانية واحده فقط. كم من أشخاص كانوا بحياتهم وسيرتهم بوصلة خلاص لحياة شخص تائه. كم من أشخاص بموقف معين أثروا بشخص كان يبحث عن جواب، وكان ذاك الموقف جواب كافٍ من الله من خلال هذا الإنسان. الله الذي بداخلك ليس حكراً لك. - الإنجيل المقدس: يسوع يعطينا مثلاً حياً وواقعياً. إذا خطئ أخوك. ثلاث كلمات رائعه جداً إذا ما نظرنا إليها من خلال أعين يسوع: إذا: هل أنت متأكد من أنه قد أخطأ؟ تأكد قبل أن تقوم بأي حركة، قبل أن تنطق بأي كلمة، تأكد قبل أن تفكر أي تفكير سوء... خطئ: يسوع لم يتحدث عن نوعية الخطيئة، أتعلمون لماذا؟ يسوع لا تهمه الخطيئة بقدر ما يهمه الخاطئ نفسه. بعكسنا نحن البشر، تهمنا الخطيئة أكثر من الخاطئ. (بدنا شي نحكي عنه، سرقة، قتل، ضرب...)، من هو هذا الخاطئ؟ أخوك. نعم أخوك. أختك. مش من أبوك وأمك. أخوك قبل أبوك وأمك. أخوك من الله الذي هو أب لنا جميعاً. إذا كنت تؤمن بما سبق: عندها عليك أن تتحرك. وأقصر الطرق هي الطريق المستقيه، o اذهب إليه: عليك أن تتحرك، أن لا تقف ساكناً. لا تقف متفرجاً، لا تستمع بمشهد اخيك المجروح. لا تنظر إليه حتى يقضي عليه إبليس. o انفرد به: هذه نقطة مهمه جداً واعتقد انه سبب اتساع المشاكل: أننا لا نختار الزمان والمكان والمزاج والأسلوب الملائم لعملية الطرح. o ووبخه: يمكن عندما نسمع هذه الكلمه، نعتقد أنها بهدله، عملية التوبيخ هي ان تلوم شخص على خطأ قد صدر منه والهدف هو إصلاح هذا الشخص. الهدف هو إصلاح. يسوع يشير الى الخطأ ولكن لا يضع يسوع يده على الخطأ كي يؤلمنا فقد حمل هو جراحنا وبجراحه نحن شفينا. التوبيخ لا نقصد نشر غسيل الأخرين. فضح أمرهم أمام العالم. إذا سمع لك، فقد ربحت أخوك. أي أنك خلصته. وإذا لم يسمع فادعو اثنين أو ثلاثة وإذا لم يسمع ادعوا الكنيسة أي الجماعة، إذا لم يسمع انتهت القضية. من خلال هذه الكلمات يدعونا يسوع أن نكون رحماء. ونحاول وأن لا نيأس وأن لا نستسلم. كما أن الله لا يتعب من مصالحتنا ومنحنا الغفران والرحمة فكذلك نحن مدعوين أن نعمل لخلاص هذا الأخ. لقد انتبهت لأمر اول مرة انتبه له، لماذا وضع يسوع هذه الأية هنا يا ترى، اذا اتفق اثنان منكم في الأرض على طلب أي حاجة كانت، حصلا عليها من أبي الذي في السموات. ويتبعها يسوع حيث اجتمع اثنان او ثلاثة باسمي أكون هناك بينهم. - علينا أن نترك الله يعمل. هو الذي خلق هذا الأخ وهو يدرك أكثر مني مفاتيح ومداخل هذا الإنسان فهو يعرف قلبه وفكره وحركاته وجلوسه وقيامه، يعرف قبل أن يصوره في أحشاء أمه. والرائع أن يسوع يدعونا أن نجتمع لنصلي معه بالروح القدس لأبينا السماوي من أجل خلاص هذا الإنسان. إن الصلاة تصنع المعجزات. إن الصلاة تغير القلوب. اترك الله يشتغل شغله. هل أدركت الأن الطريقة التي فيها تخلص اخاك؟ القراءة الثانية: تُقدِّم لك الكلمة الماسية: المحبة. المحبة هي الشريعة الكاملة. المحبة هي شريعة الحرية. المحبة لا تنزل بالقريب شراً. يقول القديس يعقوب برسالته: كونوا ممن يعملون بهذه الكلمة، لا ممن يكتفون بسماعها فيخدعون أنفسهم. السعادة الحقيقية هي في عمل شريعة المحبة شريعة الحرية. يبنما كانت مجموعة من الضفادع تتنقل من مكان إلى آخر في الغابة، سقط إثنان منهما في حفرة عميقة. تجمعت بقية الضفادع من فوق تلك الحفرة، لينظروا أين سقط رفقائهم. لكن عندما أدركوا عمق تلك الحفرة، تأسفوا عليهما، قائلين: "لن تستطيعا الخروج من تلك الحفرة يا رفاق، مهما فعلتما، إذ هي عميقة جداً". لم تبالي الضفدعتان بما قيل لهما، بل أخذتا في القفز بكل ما أتاهما من قوة، بينما كان الجميع من فوق، يقولان لهما: "توقفا، فليس من جدوى لكل ما تفعلانه، إذ لن تجدا أية نتيجة". بقيت الحال هكذا، فكانت الضفدعتان تحاولان بكل قواهما للخروج من تلك الحفرة، بالرغم من الجروح التي كانا يصابا بها، بينما كانت بقيت الضفادع من فوق تقول لهما: "كفاكما قفزاً... إذ ليس من منفعة". قفزت إحدى تلك الضفدعتان قفزتها الأخيرة ووقعت هاوية الى أسفل تلك الحفرة، وماتت، بينما بقيت الضفدعة الأخرى تحاول وتحاول. علت أصوات بقيت الضفادع من فوق وهم يقولون: "كفاك تعذيباً لنفسك وألماً، فأنت لست أفضل من رفيقتك التي وقعت مائتة بعد أن عانت كل هذا". لكن كلما علت أصواتهم كلما حاولت تلك الضفدعة أكثر. وباندفاع أشدّ، واضعة كل إمكانيتها ومصممة أن تنجو من تلك الحفرة، قفزت قفزة أخيرة، استطاعت بها أن تخلص من تلك الحفرة العميقة. لدى وصولها إلى فوق، اندهش الجميع تعجباً عما حصل، فسألوها قائلين: "ما هو السر الذي جعلك تستمري في القفز، ألم تسمعي ما كنا نقوله لك؟"، أجابتهم: "كنت أسمعكم تنادون، لكن سمعي ثقيل جداً، فبماذا كنتم تنادون؟". بعدما قيل لها الحقيقة أجابت تلك الضفدعة قائلة: "ظننت بأنه كلما قفزت مرة، بأنكم كنتما تشجعانني لأستمر". إن للسان قوة الحياة والموت. فكلمة تشجيع لإنسان في حالة يأس سترفعه وتعطيه مقدرة للإستمرار، أما كلمة محطمة ومفشلة فتقضي عليه وتهدمه فيموت. صديقي؛ ليت الله في هذاالأسبوع يعطيك نعمة لتكن كلماتك، كلمات تشجيع، للذين من حولك. إن الله يدعوك إليه مهما كانت أحوالك، إنه يحبك جداً، ومستعد أن يغفر كل خطاياك، وتبدأ حياة جديدة معه... فهو يشجعك. صانع القيثارة أكثر مهارة منذ زمن بعيد كان لأحد الأغنياء قيثارة ثمينة جداً يعتز بها. أصابها تلف ذات يوم أثّر على أنغامها العذبة فلم تعد تعطي ألحاناً شجية كعادتها. أعطاها الغنى إلى كثير من المتخصصين، لكنهم عجزوا جميعاً. أخيراً، تقدم رجل عجوز تعهد بإصلاحها، وبالفعل لم يمض وقت طويل حتى أعادها كما كانت من قبل تعزف الأنغام العذبة والألحان الشجية. سألوا العجوز باندهاش: "قل لنا لماذا فشل غيرك بينما نجحت أنت؟"، أجابهم مبتسماً: "السبب بسيط جداً، أنا هو الرجل الذي قام بصنع هذه القيثارة منذ زمن بعيد". أيها الحبيب، قد تفشل في إصلاح عيوبك، وقد فشل الكثيرون معك، أما الله فهو الذي خلقك، هو الذي يستطيع أن يعالجك.. لا تخف منه.. هو يحبك.. لم يخلقك فقط، بل أيضاً فداك.. أحبك ويحبك، ويريد أن يشفي نفسك المتعبة. تعال؛ تعال إليه.. ألق أحمالك عند قدميه.. ثق أنه سيعالج كل عيوبك، فوعده هو: "ولكم أيها المتقون اسمي تشرق شمس البر والشفاء في أجنحتها".