موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأربعاء، ٦ نوفمبر / تشرين الثاني ٢٠١٣

دور العلماني في الكنيسة المحلية

بقلم :
عفيف شليوط - حيفا

في خطوة غير مسبوقة في الفاتيكان، وبمباركة قداسة البابا فرنسيس، صرّح الكاردينال أوسكار أندريس رودريغز مارادياغا، رئيس أساقفة هندوراس والمنسق لمجلس الكرادلة الثمانية (وهو المجلس الاستشاري والذي يساعد قداسة البابا في إدارة شؤون الكنيسة وفي إصلاح "الكوريا الرومانية")، أنه سيتم إعادة ترتيب أجهزة الفاتيكان، ومن ضمنها وهنا الأمر الهام والجديد، إنشاء مجمع جديد خاص بالعلمانيين. وهذا الأمر بمثابة طرح جديد لرفع مكانة العلمانيين في الكنيسة، خاصة وأن العلمانيين يشكلون الأغلبية، ورغم ذلك فكان هنالك مجمع للأساقفة ، ومجمع للكهنة ، وآخر للحياة الرهبانية ، ولم يكن هنالك مجمعاً للعلمانيين. ولكي ندرك أهمية هذه الخطوة علينا أن نوضّح ما هي الكوريا الرومانية. فالكوريا الرومانية هي بمثابة السلطة الحاكمة في دولة حاضرة الفاتيكان وتتكون من تسعة مجامع حبرية: عقيدة الإيمان، الكنائس الشرقية، العبادة الإلهية وتنظيم الأسرار المقدسة، دعاوى القديسين، تبشير الشعوب، الإكليروس، مؤسسات الحياة المكرّسة وجمعيات الحياة الرسولية، التعليم الكاثوليكي، وأخيراً مجمع الأساقفة. موضوع دور العلمانيين في الكنيسة ليس وليد اليوم، إنما طُرح ولا يزال يُطرح بشكل دائم، ولطالما طُرح هذا الموضوع في المؤتمرات الدينية والرياضات الروحية في بلادنا، وكان هنالك توجهات واضحة ومحددة للكهنة في هذه المؤتمرات والرياضات الروحية، تدعوهم الى تشجيع العلمانيين على أخذ دورهم في العمل الرعوي. ورغم أهمية هذا الطرح، ورغم تأكيد الجميع على أهمية اندماج العلماني في النشاط الرعوي، لكنه وللأسف وبسبب انعدام الثقة بين الكهنة والعلمانيين في معظم الحالات، يتم إعاقة انصهار العلماني في الكنيسة، الأمر الذي ينعكس سلباً على النشاط الرعوي وعدم تقدمه روحيّاً واجتماعيّاً. كما أن العلمانيين اليوم في مجتمعنا أصبحوا يتمتعون بكفاءات عالية في مجالات اختصاصاتهم المتنوعة والمختلفة، وبإمكان هؤلاء إغناء العمل الرعوي وتدعيمه وتطويره إذا أُتيحت لهم الفرصة، وإذا نجحت الكنيسة باستيعاب هذه الطاقات، بإمكانها أن تُحدث قفزة في النشاط الاجتماعي والروحي في كنائسنا ومؤسساتنا الدينية. ولكن وللأسف نلاحظ أن الكنيسة الكاثوليكية في الأراضي المقدسة عاجزة عن استيعاب الطاقات والكوادر التي بإمكانها المساهمة في تطوير أدائها، بل وأحياناً هنالك كهنة يضعون العراقيل لبعض العلمانيين ويدخلون في صراعات معهم بدلاً من العمل المشترك معهم، الأمر الذي لا يعود بالفائدة على الكنيسة المحلية. وما جاءت رسالة قداسة البابا فرنسيس إلا لرفع وتدعيم مكانة العلمانيين في الكنيسة، الأمر الذي لم يُترجم بعد في كنائسنا المحلية، وكأن كنائسنا المحلية لم تلحق بعد بركب التقدم الحاصل في الفاتيكان. كيف يمكن اليوم تجاهل العلماني والذي يعني الشعب، فالعلماني هو قوّة الكنيسة وأملها، والمجمع الفاتيكاني الثاني أكد على أهمية دور العلماني في الكنيسة. وعندما يشارك العلماني الكاهن في العمل الرعوي، هذا لا ينتقص من مكانة ومركزية الكاهن، إنما يدعّم مكانته ويعززها من خلال اكتسابه ثقة ومحبة أبناء الرعية، عندها يزدهر النشاط الرعوي معززاً بالمحبة التي تقود للعطاء وبلا حدود. كما أن مساهمة العلماني في العمل الرعوي والكنيسة هي حق وواجب، فلا ينتظر العلماني الكاهن لكي يقود عمله، فمن حق العلماني أن يبادر ويعمل، فهو جزء أساسي وهام وحيوي في الكنيسة، وواجبه أن يعمل ويعطي وبهذا يثّبت رسالته في الكنيسة والمشاركة في حياتها. وهنا أوّد أن أتساءل لماذا لم تنشأ لدى الكنيسة الكاثوليكية المحلية مجالس رعوية مستقلة لترعى شؤون أبنائها وتخدمهم وتسعى لإيجاد الحلول لمشاكلهم. وهنا لا أتحدث عن المجالس الرعوية التي ينشئها الكهنة وهي أقرب الى المجالس الاستشارية منها الى المجالس الفعلية والتي لا تتمتع بأيّة صلاحيات عملية تُذكر. وهذه المجالس لا تُعبّر عن إرادة أبناء الرعية أو تستجيب لإرادتهم، الأمر الذي يساهم في زيادة الهوّة بين الكاهن والناس، زد على ذلك أن هذا الأمر، أي أن يتمتع الكاهن بصلاحيات غير محدودة وسط تهميش دور العلماني وتجريده من الصلاحيات، لم يعد يصلح في هذا العصر، ولا يمكن أن يتقبله كل إنسان واعٍ ومثقف ومطّلع. كلنا أمل أن ينجح قداسة البابا فرنسيس والذي نعلّق عليه الآمال الجسام في تعزيز مكانة العلماني في الكنيسة وأخذ دوره الفاعل لإغناء العمل الرعوي.