موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الجمعة، ٥ فبراير / شباط ٢٠١٦

حضور المسيحيين العرب في العصر العثماني

بقلم :
عماد توماس - مصر

انتهى العصر المملوكي بمقتل طومان باى وتعليقة على باب زويله، وأصبحت مصر ولاية عثمانية منذ عام 1517م حتى 1798م، ودخلت مصر عصر من أظلم عصورها التاريخية، واستنزفت ثرواتها الزراعية والصناعية والتجارية. حالة المسيحيين في العصر العثماني شهد العصر العثماني تطبيق الشروط العمرية على أهل الذمة تطبيقاً مجحفاً، فاق غيره من العصور السابقة، بل فُرض على الأقباط اتاوات استحدثتها الخلافة العثمانية بدون أي وازع من ضمير. فلم يتمكن الأقباط من تشييع جنازة البابا متاؤس الرابع إلا مقابل دفع مبلغ مالي كبير من المال لتسمح لهم الإدارة بذلك. وشهد تحصيل الجزية الكثير من مظاهر التعسف، حتى فرضت الجزية على الجميع، ولم يَسلم منها راهب ولا اسقف ولا قس ولا طفل. وفي سنة 1734م زادت ضريبة الجزية عما كانت عليه الى ضعفين تقريباً. اتفقت الدولة العثمانية مع اليهود والمسيحيين على إعطائهم حكماً ذاتياً في الأمور الدينية وتنظيم الجالية والمكانة الشخصية، شأنها في ذلك شأن غيرها من البلاد الإسلامية. ولهذا الامتياز كان عليهم أن يدفعوا الجزية أو الجوالي أو ضريبة الرأس وكانت هذه الضرائب تدفع للعلماء والصالحين الذين كانو يتلقون معاشات في مصر. ويروي المؤرخ أحمد شلبي أن هناك فرمان عثماني من اسطنبول يتعلق بالجزية وضرائب أكثر ارتفاعا مما جعل حوالي 1000 مسيحي يتظاهرون احتجاجا عليها، وتعرضوا لهجوم من الجنود مما أدى إلى قتل اثنين منهم، وتفرق الآخرون. يخبرنا الدكتور عزيز سوريال في كتابه "تاريخ المسيحية الشرقية"، أن الباب العالي العثماني كان يسعى إلى ضمان وصول الجباية الضريبية من "الملل" المسيحية، وإن كان السلطان قد منح المسيحيين فرمانا يقر فيه انتخاب البطريرك الذي يدفع للخزانة السلطانة أكبر قدر من المال. وقد أدى هذا إلى انتشار الفساد بين رجال الكنيسة اليعقوبية الطامعين في منصب البطريركية، وتدهورت أحوال الكنيسة روحياً وثقافياً حتى صارت كنيسة اليعاقبة، مثلها في ذلك كنيسة النساطرة ، تعاني من الجهل والعوز. وفيما يختص ببناء الكنائس، فلم يسمح العثمانيون للأقباط ببناء أي كنائس جديدة، مع الإبقاء على ما تبقى من الكنائس التي كانت قائمة قبل دخول العرب مصر، والسماح أحياناً بترميم الكنائس القديمة من الأنقاض القديمة ذاتها، وإذا لم تكفي الأنقاض القديمة في ترميم ما تصدع من البناء فيجوز استخدام مؤن معمارية جديدة من نفس نوع الأنقاض القديمة، بحيث يعود بناء الكنيسة إلى شكلها القديم، ولا يتم توسعات أو إحداث زيادة فيه" . الحضور المسيحي في العصر العثماني من أهم الوظائف التى شغلها المسيحيين في عصر الدولة العثمانية وظيفة "المباشر" وتعني كبير جُباة الضرائب، وهي أعلى الوظائف الحكومية آنذاك. ومن بين هؤلاء المباشرين يأتي المعلم ابراهيم الجوهري، الذي عمل لدى الامير ابراهيم بك وكان غنياً وسخي العطاء على الفقراء والمحتاجيين وسعة صدره التي احتوت المسلمين والمسيحيين على السواء. ويذكر الدكتور محمد عفيفي ان المعلم ابراهيم الجوهري بخدماته العديدة التي اداها للكنيسة القبطية لا يُعتبر حالة فردية، ولكنه يمثل ذروة التعاون بين المباشرين والكنيسة القبطية في العصر العثماني. ومع حلول القرن الثالث عشر أصبح اليعاقبة (الأرثوذكس) يتقنون اللغة العربية، ولم يبقى إلا نفر قليل من الكتاب يستخدمون اللغة السريانية في كتاباتهم. فقد أصبحت العربية هي الأداة الصالحة مع هذا التطور للانتاج الفكري والأدبي بالنسبة للسريان جميعا. ويعتبر "ابن العبري" هو آخر الكتاب اليعاقبة الكبار، والذي وضع مؤلفاته باللغتنين السريانية والعربية في يسر واقتدار وكان يُجيد اللغة العربية ولكنه كان يجهل اللغة اليونانية. وعمل المسيحيون في وظيفة "كاتب" أو "صراف" في دار سك العملة، وفي ادارة الجمارك، وفي ديوان الجوالي المختص بشؤون الجزية، وفي ديوان الحسبة، وفي ادارة الشؤون المالية للاوقاف الاسلامية مثل المعلم جرجس بن شنودة. وفي حكم "خاير بك"، اول حاكم عثماني لمصر (1517-1522)، عين رجلا مسيحيا يسمى الشيخ "يرنس" في منصب المدير الأول لمكاتب الدولة، مما جعل المسلمين مرؤوسين لديه. ولاحظ بوبك، وهو يكتب في أوائل القرن الثامن عشر، أن جمارك دمياط كانت عادة ما يديرها المسيحيون. وكانت معظم التجارة في القاهرة تتم داخل إطار نظام الطوائف، وكان أعضاء الطائفة عادة ما ينتمون إلى نفس الجالية الدينية أوالعرقية فنجد طوائف يهودية واسلامية ومسيحية وكان معظم الحائكين وأصحاب محلات الخمور من المسيحيين. تطبيق عهد الذمة يقول الدكتور عبد العظيم رمضان أن العصر العثماني شهد الفصل الأخير من تطبيق عهد الذمة على الأقباط، قبل البحث عن صيغة جديدة للعلاقات بين المسلمين والاقباط في القرن التاسع عشر، هي صيغة الوطنية والمواطنة. لم يؤدي وصول العثمانيين الى الحكم إلى تعديل جوهري في نظام مختلف الكنائس الشرقية وفي حياتها الداخلية، إلا أن تفاقم الوضع الاقتصادي أدى إلى المزيد من التدهور في الحياة الدينية والأخلاقية والروحية. وهكذا، فإن اعتناق الإسلام قد أضعف الطوائف المسيحية، فتضاءل عدد الكهنة والرهبان وأقفلت الأديرة وأدرك الخراب العديد من الكنائس في مصر. أزياء خاصة كان المطلوب من المسيحيين واليهود ارتداء أزياء خاصة، وعلى الأخص غطاء الرأس، فبناء على أمر أصدره حازم حسن باشا عام 1580م، تحتم على اليهود أن يرتدوا قبعات حمراء والمسيحيين قبعات سوداء، وأمر أغا الانكشارية بعدم السماح لليهود والمسيحيين أن يستخدموا خدما أو عبيدا من المسلمين. وارتبطت قوانين الحمامات بقوانين اللبس فكان من غير المسموح للمسيحيين واليهود دخول الحمامات العمومية دون أن يعلقوا جرسا حول رقابهم كي يفرق بينهم وبين المسلمين. ويُسجل الجبرتي المراسيم التي تحظر على المسيحيين ركوب الخيل، واستخدام الخدم المسلمين، وشراء العبيد، وكذلك اجبارهم على مراعاة قواعد اللبس، ففتشت منازل المسيحيين بحثاً عن العبيد، وكان من يوجد منهم يُباع في المزاد فانتهز دهماء القاهرة هذه المراسيم لمضايقة المسيحيين، فكان على الحكومة أن تعلن انها تنوي حمايتهم. مصادر المجتمع المصري تحت الحكم العثماني، ميكل ومنتر الأقباط في العصر العثماني، د.محمد عفيفى تاريخ المسيحية الشرقية، عزيز سوريال المسيحية عبر تاريخها في المشرق، مجموعة مؤلفين الكنائس الشرقية واوطانها، الراهب القس اثناسيوس المقاري وطنية الكنيسة القبطية، الراهب القمص انطونيوس الأنطوني