موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الخميس، ٤ يناير / كانون الثاني ٢٠١٨

القلب النقي يشاهد الله

بقلم :
الأب بيوس فرح ادمون - مصر

للقلب أهميّة من الناحية الجسديّة والعاطفيّة والروحيّة. وبلغّة الكتاب المقدّس العبريّة، القلب يعني ما يلي: 1 - باطن وأعماق الإنسان وكلّ ما يجول في داخله، وبكلمة الرب لنا في العهد القديم: "أحبب الربّ إلهك من كلّ قلبك"، أي بكلّ كيانك وبكلّ ما فيك من مقوّمات داخليّة، وكلّ ما فيك من عمق يجب أن يوظّف في محبّة الله. للقلب أيضاً بعد عاطفي لأن الإنسان يحبّ من خلال قلبه، والطاقة الأساسيّة في الإنسان هي قلبه، فإنسان من دون قلب هو إنسان ناقص. 2- القلب يعني التعبير عن الذكريات. فالأفكار والمشاريع تنطلق من القلب. بحسب الكتاب المقدّس، القلب يفكّر يشعر يخطّط يحبّ ويتذكّر. 3- القلب للتفكير. الله أعطانا قلباً لنفكّر (يشوع بن سيراخ). 4- القلب وآراؤه عند الله، أي تدبير الله الخلاصي الذي يدوم من جيل إلى جيل من خلال القلب. سمة القلب امتداد المعرفة. مَن يملك قلباً فهو يملك المعرفة. إليكم بعض الأمثال الكتابيّة: "يا بنيّ اعطني قلبك"، ليس المقصود عمليّة عطاء مادي إنّما المقصود إنتبه إليّ، إلى تعليمي وإلى وصاياي واجعلني حاضراً في حياتك. "القلب المتحجّر"، القلب الحجريّ الفكر، المنغلق، والمتشدد، والمتعصب. 5- قلب الإنسان يعني شخصيّة الإنسان الواعية العاقلة والحرّة أي اليقظة الحكيمة حرّة التصرّف. القلب هو الموضع الذي يلتقي فيه الإنسان مع الله. هذا اللقاء يصبح كامل الفاعليّة، عندما ندمجه، في حب الله. بالقلب البشري لابن الله. إن قلبي يُنجَز ويرى كماله وعزّه وكرامته عندما يلتصق ويتّحد بقلب يسوع البشري الذي حصل عليه بتجسّده. في الكتاب المقدّس بعهديه القديم والجديد القلب هو مجموعة قدرات النفس من تفكير ومعرفة وقوّة وتمييز. بحسب تثنية الإشتراع يطلب الله أن نفتّش عليه بكلّ قلبنا، وهذا يعني أن نعيش بتوافق مع شريعته. المطلوب منّا الآن كعائلة وجماعة إقامة عهد مع الله على تبديل القلب من قلب حجري إلى قلب بشري إلى قلب مسيحي. من قلب حجري أناني منغلق إلى قلب بشري يحسّ ويشعر ويتشارك ويتضامن مع الآخر إلى قلب مسيحي: "تعلّم منّي إنّي وديع ومتواضع القلب". وهذا هو مختصر اللاهوت والأنبياء. جاء في العهد القديم: "أجعل شريعتي في قلوبهم وأكتبها على قلوبهم" (إرميا 31/33). "أعطي قلباً آخراً جديداً" أي أحوّل القلب من حجري إلى بشري. "إصنعوا لكم قلباً جديداً" (حزقيال 18/31). وأيضاً: "أعطيكم قلباً جديداً وأجعل في أحشائكم روحاً جديدا وأنزع من لحمكم قلب الحجر وأعطيكم قلب البشر" (حزقيال 36). إذاً نحن مدعوّون من خلال العهد القديم إلى اقتناء قلباً جديداً. العهد الجديد - يسوع والقلب الوديع والمتواضع. بالتجسّد امتلك يسوع قلباً والصفة الأساسيّة عند قلب يسوع هي الحنان. فتأتي في العهد الجديد عبارة: "رقّ قلبه" عند رؤيته المآسي. والله – بحسب العهد القديم – يملك حشا أمّ. يقول الرب: "أحب إلهك من كل قلبك"، "اغفر لأخيك من كل قلبك" أي من كل كيانك. "القلب النقي يعاين الله". ونردّد مع صاحب المزمور: "قلباً نقياً أخلق فيّ يا الله". القلب هو الذي يجعل الإنسان على اتصال حميم بالآب. هذا الكلام يطابق كلام القدّيس بولس القائل: "أحبّكم في قلب يسوع المسيح... وليكن فيكم من شعور وأحاسيس يسوع المسيح". عبارة قلب يسوع لا يجب أن تؤخذ بإطارها العاطفي الخارجي، الربّ يحترم كل الحالات الداخليّة للإنسان. ولكن كجماعة علينا التعلّم والتثقّف والغوص إلى الداخل. العبادات التقويّة جيّدة ولكن عبادة قلب يسوع لا تقتصر عليها، إنّما تتمّ في إطار رسالة الإنجيل وهي مأخوذة من مصدرين هما سرّ الفداء والقربان المقدّس. المسيح ليس مقسّماً إنّما هو واحد. لكن الإنسان ببعده العاطفي البشري يرتاح إلى عبادة قلب يسوع ورأس يسوع المكلّل بالشوك ودموع مريم وغيرها من العبادات العاطفيّة... عبادة قلب يسوع تعني عبادة الحب أو القلب الإلهي وهي مأخوذة من محطّتين أساسيّتين هما الفداء والقربان. العمليّة ليست عمليّة عبادة تقويّة ظاهرية مفروضة علينا، إنّما هي تنطلق من إيماني بيسوع المسيح - رب ومخلّص. وبقدر إيماني به تكون محبّتي له. استمرّت عبادة قلب يسوع رغم كلّ المعاكسات التي اعترضتها لأن العمليّة هي عمليّة حبّ إلهيّة نابعة من قلب بشريّ هو قلب يسوع الذي عرّفني وكشف لي عن حب الله. على الإنسان أن يدرك بأن الله يحبّه بقلب بشري وهذه نتيجة التجسّد، الطبع الإلهي امتزج بالطبع البشري لكي يتّحد الطبع البشري بدوره بالطبع الإلهي. ورداً على السؤال: "أحقاً الله يحبّني؟" نجد الجواب في قلب يسوع المفتوح على الجلجلة للجميع، فهو يحب الفقراء والخطأة والمرضى ويستقبلهم ويعطيهم الأفضليّة والأكثر من ذلك هو يجعلهم قادرين على أن يقبلوا ذواتهم تحت نظر رحمته. عندما أقتنع بمحبّة الله لي، أكون بذلك أقول لتكن مشيئتك في حياتي، وهنا يتمّ التشارك ومشروع التوأمة بين قلبي وقلب يسوع وهذا بفضل الإيمان فقط وليس بفضل المظاهر التقويّة الخارجيّة التي تعتبر جيّدة إذا ما كانت تعبّر عن الداخل، لأنّه لا يمكننا أبداً الانطلاق من الخارج إلى الداخل. إنسان اليوم بحاجة إلى الحبّ والأمل وهذا ما يوفّره له قلب يسوع. قلب يسوع هو الجواب والضمانة التي يقدّمها الله لكل إنسان يعاني الألم والضيق ويريد أن يُحِبّ ويُحَبّ.