موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر السبت، ٤ أكتوبر / تشرين الأول ٢٠١٤

أيّهما الموت من أنت؟

بقلم :
مايكل عادل ماركو - المجر

يخاف البعض من ذكر كلمة الموت، وأخرون لا يرغبون بسماع أي شيء عن الموت، وكلٌ له أسبابه ودوافعه، وأنا أيضا لدي دافع قوي جعلني أدخل في حوار مع الموت، يومياً أسمع خبر موت صديق أو قريب، بعضنا يُصدم وكثيرين يحزنون، ولكن وجب علي الدخول في حوار مع الموت في صيغة س وج أنا أسأل والموت يجيب: أنا: أيها الموت، لماذا أنت موجود؟ الموت: أنا عدم الوجود. أنا الفناء والعدم. س: من مصدرك أيّها الموت؟ ج: يعتقد البعض أن الله السبب في الموت، ولكن الله سيّد الحياة والله ليس سيّد الموت، والموت عدم الحياة، كما أن الظلام هو عدم وجود النور فالموت هو عدم وجود الحياة. س: لماذا تنهي الحياة؟ ج: أنا جزء من الحياة، أنا مرحلة عابرة، لا استمر أكثر من لحظات يمر من خلالي الإنسان، من الحياة بالجسد والروح إلى ما بعد الموت روح فقط، أعتبرني الفلتر الضروري للانتقال من عالم إلى أخر، لا يمكنك الانتقال لعالم الأرواح بالجسد، لذلك من خلالي أنت تفقد فقط جسدك، أما روحك فليس لي سلطان عليه. س: لماذا الموت، ولماذا يجب أن يموت الإنسان؟ لماذا يموت الأطفال والشبّان؟ ج: أنا الموت جزء من الحياة، ولأن الإنسان جسده مادي، فكل مادي قابل للتحلل والإنتهاء، فالإنسان يموت من خلالي جسديّا وليس روحيّا، لا أستطيع ألمس الروح لأن الروح حياة أزالية أبديّة مثل خالقها ومنبعها. لماذا يموت الصغار، أقول لك الموت لا يوجد عمر له، الموت يأتي بعد إكتمال رسالة الإنسان على الأرض. مَن مات جسديّا هو حي روحيّا، ولكن من مات روحيا فهو ميت جسديا. س: كان لدي صديق في رعيان شبابه لماذا اقتربت منه وأنهيت حياته؟ ج: يا إنسان أنت تعرف أن الموت قرار والحياة قرار، فمن مات قرر بوعي أو من دون وعي قبول فكرة الموت، وسوف تجد كثيرين على فراش المرض ومعذبين ولا يقترب منهم الموت، تعرف لماذا لإنهم قرروا التمسك بالحياة، ولم يقرروا ترك الحياة بعد. فالموت فهو قرار كما الحياة هي قرار. س: أيّها الموت، ماذا تفعل بالانسان؟ ج: أنا لا أفعل شيء لأني عدم، والعدم لا يوجد له قوة مؤثرة، الإنسان يفعل بنفسه ليس أنا، فإذا قَبِل فكرة الموت ونظر للموت من منظور إيجابي فيرحل الإنسان من خلالي من دون عناء، كما قلت لك أنا مراحلة عابرة لا تتجواز الثواني. س: أين روح الشخص الميت؟ ج: أنا الموت مسؤول فقط عن عملية وقتية تخص الجسد، أما الروح فأكيد أنجذب لخالقها مباشرة بعد إنفصالها عن الجسد. الروح لها حياة روحية أبدية. س: هل مَن مات يشعر بي؟ ج: إذا قلنا أن الشخص المتوفي، جسده هو الّذي أنتهى إذًا الروح مازال موجود، ولكن لا نراه لإن الروح لا يحده مكان أو زمان، روح الشخص الميت يشعر بأرواحنا. ولذلك كثير من الأديان وضعت صلوات للموتى وهذا يدل على أن الروح يشعر بمن على الأرض، فأيّها الإنسان لا تعذب روح الشخص المتنقل بحزنك، لإنه يشعر بك ولكنه لا يستطيع يفعل أي شيء، لأنه خارج عالمنا وروح فقط. س: كيف تنظر لنفسك أيّها الموت هل تعتبر نفسك شيء إيجابي؟ ج: أنا لا شيء، وغير موجود، وغير محدد وغير معرف، ولكن بعض البشر يخافون مني بالرّغم إني عدم الوجود. أنا عدم بل بالأحرى العدم. البعض ينظرون لي بنظرة إيجابية فأصبح إيجابي، ولكن هناك من يشعر إني سلبي فأصير سلبي، إذا إيجابي أم سلبي هذا يعود لك أيّها الانسان. س: كيف أستعد لمواجهتك أيّها الموت؟ ج: أنا الموت لا أواجه أحد وأصارعه، كما قلت لك هذا قرار شخصي إنساني، فبناء على قرارك يتوقف استعدادك للموت. يجب تستعد لما بعد الموت وليس الموت، الموت فما هو إلا لحظات أما ما بعد الموت فهو حياة أبدية لا نهاية لها. أستعد لحياتك القادمة، فحياتك التالية حياة أرواح وليست أجساد، فالذّي تقوم به الآن من إهتمام بالروح سيستمر لما بعد الموت، أما ما تقوم به للجسد فسينتهي أمامي في لحظات. هل تسمع عن الأشخاص الّذين ينفقون ملايين الدورلات لتغير شكل جسدهم ليشبه دميه أو يكون أجمل مما عليه؟ هذا الإهتمام مَهَمَا كان ثمنه سوف يتوقف عندي أنا الموت، وللأسف هؤلاء لن يكون لديهم رصيد لحياتهم القادمة. س: أعطيني نصيحة أيّها الموت! ج: نصحيتي لك قبل كلّ عمل تقوم به تسأل هذا السؤال: إذا كان هذا أخر عمل سأقوم به قبل الموت، فما هو تقيمي لهذا العمل؟ عش وعينك على الموت، لا أعني أن تخاف من الموت إنما تعرف أن للحياة نهاية حتمية، سواء عشت يوم واحد أو 200 عام فحياتك لها نهاية. لذلك أعطي أهتماما بروحك الخالدة الأبدية بجانب إهتمامك بالجسد والأمور الجسدية من طعام وملبس ونقود... عندما تلتحم روحك بمصدرها من الآن ستعبر من خلالي بقوة دافعة تساعد للإتصاق بمصدرك. كلما أعطيت الأمور الجسدية أهتماما من جمع نقود وبناء وبيع وشراء، كلما ازداد تأثير الجاذبية الارضية عليك وسيصبح من الصعب الانطلاق لعالم لا مدي روحي، كلما زدت من الاهتمام بأمورك الروحيّة الغير أرضيّة فتزداد قوة الدفع لعالم لا مادي فيكون من السهل عبورك من خلالي وتزداد سرعة التصاق روحك بمصدرها. تذكر دائما، أرضي يساوي جاذبية أرضية مادية و روحي يساوي جاذبية غير أرضية ولا مادية. أختار ماذا تريد جذابية أرضية أم إلهية روحية. س: هل يجب أن أشكرك أيّها الموت؟ ج: هذا شيء يرجع لك، يرجع لنظرتك لي كيف تراني؟ إذا كنت ترأني إيجابياً فالتأكيد سوف تشكرني، وتعرف أن الموت نعمة، أنظر حوالك كم من الأشخاص يتعذبون ويتمنون الموت ، والموت يتنساهم لأنهم لم يقرروا بعد. أما إذا كانت نظرتك سلبية فسوف تلعّني. وفي كلا الحالتين أنا لا يهمني لأني العدم واللاوجود. أشكرك أيّها الموت على هذا الحوار، أستفدت منك دروسا كثيرة، وأنا لا أخاف منك لأني لن أبقى معك إنما سوف أنتقل من خلالك، فعليّ العمل على روحي و حياتي الابدية وعدم الانشغال بالامور المادية الدنيوية فقط. يا سيّد الحياة، اشكر على نعمة الحياة، يا مصدر روحي ونفسي أجعل قلبي دائما متجها إليك، لتنجذب إليك روحي بعد مفارقة جسدي.