موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأحد، ٩ فبراير / شباط ٢٠٢٠

أحد الفريسي والعشار

بقلم :
الأب بطرس جنحو - الأردن
لكي نصلّي بقلب نقيّ يجب أن نتواضع ونعترف بضعفنا البشري لله لكي يقبلنا

لكي نصلّي بقلب نقيّ يجب أن نتواضع ونعترف بضعفنا البشري لله لكي يقبلنا

 

فصل شريف من بشارة القديس لوقا

(لوقا 18: 10–14)

 

قال الربُّ هذا المثَل. إنسانان صعِدا الى الهيكل ليُصَلّيا احدَهما فرّيسيٌّ والآخر عشَّارٌ * فكان الفريسيُّ واقفًا يصلّي في نفسهِ هكذا اللَّهمَّ إنّي اشكرك لانّي لست كسائر الناس الخَطفَةِ الظالمين الفاسقين ولا مثلَ هذا العشَّار * فانّي اصوم في الاسبوع مرَّتيْنِ وأعشِّر كلَّ ما هو لي * امَّا العشارُ فوقـَف عن بُعدٍ ولم يُرِد أن يرفَع عينَيهِ إلى السماء بل كان يقرَعُ صدرَهُ قائلاً اللَّهمَّ ارحمني أنا الخاطىء * أقول لكم إنَّ هذا نزَل إلى بيته مُبَرَّرًا دون ذاك. لأنَّ كلَّ مَن رفَعَ نفسَهُ اتَّضع ومن وضع نفَسهُ ارتفع.

 

بسم الآب والأبن والروح القدس الإله الواحد أمين

 

ها قد أشرق ربيع التريودي (فترة الصوم الكبير) والكنيسةُ تتهيّأ لتستقبل أيامَه المباركة. إنّ أولى أيام التريودي، وهي الآحاد الأربعة الأولى، تعلمّنا كيف يجب أن نتهيّأ روحيًا لندخل ميدان الصوم الكبير. إن مطلع هذا الأحد هو الصلاة. هناك أسئلة كثيرة تراود أفكارنا عن الصلاة: ما هي الصلاة؟ لمن نتوجه في الصلاة؟ كيف يجب أن نصلي، وما هو مضمون صلاتنا؟ لنصغِ جيّدًا للكلمة الإلهيّة ولِما تريده الكنيسةُ أن نتعلّمه اليوم.

 

أولاً: الفريسي وصلاة الأفتخار

 

1. الانتقاد وإدانة الآخرين: فَابْتَدَأَ الْكَتَبَةُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ يُفَكِّرُونَ قَائِلِينَ «مَنْ هذَا الَّذِي يَتَكَلَّمُ بِتَجَادِيفَ؟ مَنْ يَقْدِرُ أَنْ يَغْفِرَ خَطَايَا إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ؟» (لوقا 5: 21). فلما رأى الفريسي الذي دعاه ذلك تكلم في نفسه قائلا: لو كان هذا نبيًا لعلم من هذه الامرأة التي تلمسه وما هي أنه خاطئة (لوقا 7: 39).

 

2. المناداة بتعاليم صعبة بغرض الظهور: فَإِنَّهُمْ يَحْزِمُونَ أَحْمَالاً ثَقِيلَةً عَسِرَةَ الْحَمْلِ وَيَضَعُونَهَا عَلَى أَكْتَافِ النَّاسِ وَهُمْ لاَ يُرِيدُونَ أَنْ يُحَرِّكُوهَا بِإِصْبِعِهِمْ وَكُلَّ أَعْمَالِهِمْ يَعْمَلُونَهَا لِكَيْ تَنْظُرَهُمُ النَّاسُ.


3. غلق الأبواب الروحية أما الآخرين بأي حجة: لأَنَّكُمْ تُغْلِقُونَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ قُدَّامَ النَّاسِ فَلاَ تَدْخُلُونَ أَنْتُمْ وَلاَ تَدَعُونَ الداخلين يدخلون.

 

4. يستخدمون مظاهر التكريس للمكسب الشخصي: أَنَّكُمْ تَأْكُلُونَ بُيُوتَ الأَرَامِلِ ولِعِلَّةٍ تُطِيلُونَ صَلَوَاتِكُمْ. لِذَلِكَ تَأْخُذُونَ دَيْنُونَةً أَعْظَمَ.


5. لا يكلوا من نقل الروح الفريسية: لأَنَّكُمْ تَطُوفُونَ الْبَحْرَ والْبَرَّ لِتَكْسَبُوا دَخِيلاً وَاحِداً وَمَتَى حَصَلَ تَصْنَعُونَهُ ابْناً لِجَهَنَّمَ أَكْثَرَ مِنْكُمْ مُضَاعَفاً.


6. تغيير كلمة الله لتبرير من يريدون: وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الْقَادَةُ الْعُمْيَانُ الْقَائِلُونَ: مَنْ حَلَفَ بِالْهَيْكَلِ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ وَلَكِنْ مَنْ حَلَفَ بِذَهَبِ الْهَيْكَلِ يَلْتَزِمُ! أَيُّهَا الْجُهَّالُ وَالْعُمْيَانُ أَيُّمَا أَعْظَمُ: أَلذَّهَبُ أَمِ الْهَيْكَلُ الَّذِي يُقَدِّسُ الذَّهَبَ؟
 

7. التدقيق في الأمور الصغيرة لتمرير الأمور الكبيرة: وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الْكَتَبَةُ والْفَرِّيسِيُّونَ الْمُرَاؤُونَ لأَنَّكُمْ تُعَشِّرُونَ النَّعْنَعَ والشِّبِثَّ والْكَمُّونَ وَتَرَكْتُمْ أَثْقَلَ النَّامُوسِ: الْحَقَّ وَالرَّحْمَةَ وَالإِيمَانَ. كَانَ يَنْبَغِي أَنْ تَعْمَلُوا هَذِهِ وَلاَ تَتْرُكُوا تِلْكَ. أَيُّهَا الْقَادَةُ العُمْيَانُ الَذِينَ يُصَفُّونَ عَنِ البَعُوضَةِ وَيَبْلَعُونَ الجَمَلَ.


8. العمى الروحي: أَيُّهَا الفَرِّيسِيُّ الأعْمَى نَقِّ أَوَّلاً دَاخِلَ الكَأْسِ وَالصَحْفَةِ لِكَيْ يَكُونَ خَارِجُهُمَا أَيْضاً نَقِيّاً. فالفريسي لا يتمتع أبدا بتجديد الذهن والمرونة لما يعلنه الروح القدس.


9. الاهتمام بالخارج دون الداخل: (الرياء مثل الناموسيين) وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الكَتَبَةُ والفَرِّيسِيُّونَ المُرَاؤُونَ لأَنَّكُمْ تُنَقُّونَ خَارِجَ الكَأْسِ وَالصَحْفَةِ وَهُمَا مِنْ دَاخِلٍ مَمْلُوآنِ اختِطَافاً وَدَعَارَةً!.. لأَنَّكُمْ تُشْبِهُونَ قُبُوراً مُبَيَّضَةً تَظْهَرُ مِنْ خَارِجٍ جَمِيلَةً وَهِيَ مِنْ دَاخِلٍ مَمْلُوءَةٌ عِظَامَ أَمْوَاتٍ وَكُلَّ نَجَاسَةٍ. هَكَذَا أَنْتُمْ أَيْضاً: مِنْ خَارِجٍ تَظْهَرُونَ لِلنَّاسِ أَبْرَاراً وَلَكِنَّكُمْ مِنْ دَاخِلٍ مَشْحُونُونَ رِيَاءً.

 

10. العنف مع الافتخار بالأجداد وتاريخهم والصديقيين: لأَنَّكُمْ تَبْنُونَ قُبُورَ الأَنْبِيَاءِ وَتُزَيِّنُونَ مَدَافِنَ الصِّدِّيقِينَ وَتَقُولُونَ: لَوْ كُنَّا فِي أَيَّامِ آبَائِنَا لَمَا شَارَكْنَاهُمْ فِي دَمِ الأَنْبِيَاءِ! فَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنَّكُمْ أَبْنَاءُ قَتَلَةِ الأَنْبِيَاءِ.

 

ثانيًا: صلاة الفريسي

- صلى في نفسه.

- مدح نفسه.

- احتقر الناس.

- مداين الله.

- لم يطلب طلبة واحدة.

 

من هو العشار

 

العشار مرتبط بالخطاة: "وَكَانَ جَمِيعُ الْعَشَّارِينَ وَالْخُطَاةِ يَدْنُونَ مِنْهُ لِيَسْمَعُوهُ" (لوقا 15: 1).

 

"جَاءَ ابْنُ الإِنْسَانِ يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ، فَيَقُولُونَ: هُوَذَا إِنْسَانٌ أَكُولٌ وَشِرِّيبُ خَمْرٍ، مُحِبٌّ لِلْعَشَّارِينَ وَالْخُطَاةِ. وَالْحِكْمَةُ تَبَرَّرَتْ مِنْ بَنِيهَا" (متى 11 : 19).

 

أحبائي: لو تمعَّنّا حسنًا في هذا المثل الانجيلي سنجد أجوبة على ما يدور في مخيّلتنا عن الصلاة.

 

يقول المثل إِنّ هناك إنسانَيْن صعدا إلى الهيكل ليصلّيا. إذًا الصلاة هي عملٌ يقوم به الانسانُ في أوقات معيّنة كما يشير المثل. ويجب أن نتوجّه لله فيها فقط، وواضح جليًا أنّ الإثنين فعلا ذلك. رُبَّ سائلٍ: وهل يوجد غيرُ الله نوجّه إليه صلاتَنا؟ الجواب ممكنٌ، ذلك إذا فعلنا مثل هذا الفريسي الذي كان محورُ صلاته نفسَه أي إنّه نسي اللهَ. وبدأ يتكلم على فضائله وعلى صفاته الحسنة كما يراها هو. وهذا عينُه هو الجهلُ الروحيّ الذي يُنَصِّبُ فيه الانسانُ ذاتَه بدل الله. هذا الجهلُ يعمي بصيرةَ الانسان فلا يعود بإمكانه أن يرى نفسَه خاطئًا بل يسعى إلى تزكية نفسه وجَعْلَها مثل الله، فتغدو صلاتُه فارغةً تصدر منه وتعود إليه.

 

أما لو أردنا أن نعرف عن مضمون الصلاة فلْنتأمّل كلمات الفرّيسي. لقد توجّه بالشكر لله. وهذا ما يجب أن نعيشه في حياتنا: أن نشكر الله دائمًا في أفراحنا، وفي أحزاننا خصوصًا، لأنّ الربّ هو تعزيتُنا الحقيقيّة. صحيح أن الفرّيسي شكر الله، لكنّه شكره لأنه ليس مثل باقي الناس كما يدّعي، فكان تصرفُه خاطئ. إذ لا يمكن للمرء أن يتعالى ويدين أخاه الانسان، وقد جلب إليه هذا التصرّف المتكبّر عدمَ القبول عند الله. أمّا كلمات العشار فلم تكن كثيرة ولكنها كانت قوية كالسيف. لقد عبّر العشارُ بخشوع وتوبة عمّا في قلبه إذ أراد رحمة ربّه واعترف بضعفه أمام الله فوجد القبولَ لديه بواسطة هذه الصلاة الصغيرة. وربما يجب أن تلازمنا هذه الصلاة دائمًا في حياتنا.

 

إذًا، يا إخوة، لكي نصلّي بقلب نقيّ يجب أن نتواضع ونعترف بضعفنا البشري لله لكي يقبلنا، ويجب ألاّ نُقحِم الآخرين في أخطائنا. ولتكن صلاةُ العشار ملازمةً حياتَنا حتى نغدو مع القديسين في بهاء الملكوت. آمين.