موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر السبت، ٨ يوليو / تموز ٢٠١٧

مسيحيو الأردن: النسبة تقلصت وليس الحضور

الأب رفعـــت بدر :

المقال –الدراسة- الذي نشره دولة الدكتور معروف البخيت (الرأي، 3/7/2017)، بعنوان «محطات من تطوّر الشخصيّة الوطنيّة الأردنيّة» جدير بالتوقف عنده وبتوسيع دائرة النقاش حوله. إنه مخطوط بقلم مفكر محب للأردن بقيادته وشعبه وجيشه وترابه ومائه وفضائه. أما موضوع الدراسة فحرّي بنا أن نتحدّث عنه بجدارة وفخر ورأس مرفوع. فالشخصية الأردنية منفتحة وبنّاءة ومحبّة للوحدة أو انّ الاردنيين هم «وحدويون يصونون الخصوصيّة»، أمّا معارضتهم، فهي «وطنية شريكة ومسؤولة»، كما جاء في مقال الدكتور البخيت. أعجبني في المقال بشكل خاص أن يذكر التعددية الراقية التي يتكوّن منها، ويتميّز بها، الشعب الأردني. فالمسيحي أخ وشقيق وشريك لأخيه المسلم. وقد أتى دولة البخيت منصفاً وعادلاً في حديثه عن المسيحيين، وهو الصديق القريب منهم والعامل معهم والمستمع اليهم والناصح لهم في ميادين العمل الرسمي والخاص. يعدّد الكاتب بعضاً من الشخصيات المسيحية الوطنية، ويلخص بعجالة ما قام به كل منهم مثل عودة القسوس ويعقوب العودات وروكس بن زائد العزيزي وسليمان الموسى وغيرهم، وكنت أود أن يأتي على ذكر شخصيات دينية أثرت في المجتمع وأثرته بعطائها واسهامها الجليلين. ودولته يدرك أنّ حضور المسيحيين بصفتهم مواطنين صالحين ومؤثرين ومثمرين في المجتمع، لا يقف عند قصص نجاح فردية، بل هو كذلك نجاح لمؤسساتهم الروحية والدينية التي تقدّم الخدمات اليومية، وما زالت، لجميع المواطنين بدون أي تمييز. ودولته، وهو الكاتب والمحاضر والدارس للتاريخ، يدرك أن «نسبة» المسيحيين قد تقلصت عما كانت عليه في القرن التاسع عشر للميلاد. لكنّه يستدرك الأمر ويخط بأنّ تناقص «النسبة» لم، ولن، يعني أبدًا تناقصًا في الحضور. وهنا طبعًا الفرق بين مجرّد «وجود» جغرافي وحجز مساحة للمواطنين وزيادة عدد، و«حضور» فعال ونشط ومثابر ومقدّر في الميادين كافة ومن الأطياف المجتمعية كافة. وهنا وبعد تعداد للمدارس التي نشأت بالتزامن مع تأسيس الإمارة الاردنية، يأتي الكاتب العزيز على ذكر الإسهام الجلي للمسيحيين، وبالأخص في المدارس التي أنشأتها الكنائس في بلادنا، وتعود إلى النصف الثاني من القرن التاسع عشر وأسهمت اسهامًا فاعلاً وتاريخيًا في تقليص الفجوة المعرفية وإزالة الأمية أو محوها. وبعد، فبطاقة تحيّة نرفعها للأشخاص الأوفياء لوطنهم والقادرين على التعبير عن مكامن القوة والوحدة في بلادنا، بعيدًا عن جلد الذات والبحث عن السلبيات وإعطاء العظات والخطب الإرشادية عبر السناب شات والفيديوهات المباشرة ومواقع التواصل الإلكتروني، وأحيانًا كثيرة تأتي على شاكلة خطب أخلاقية بشكل غير لائق ولا مقبول. فالأفضل هو التنبه لأهمية القيام بالدراسات الأكاديمية، مثل ورقة الدكتور البخيت حول تطوّر الشخصية الوطنية الأردنية، فهي الأجدر بالأخذ بها واطلاع الطلاب في المدارس والجامعات عليها، وتشجيعهم على القيام بمثلها، لأنّ الوطن يستحق ذلك ولأنّ فيه كنوزًا تاريخية كتلك التي أتى د. البخيت على ذكرها، ولأنّ الأجيال القادمة تستحق منا أن نترك لها أثرًا طيبًا وإرثًا حضاريًا مكتوبًا يعزّز البناء الحاضر ويؤسس لبناء مستقبل يسعى للأفضل دائمًا، ويحث «الخطى باتجاه المزيد من التحضّر والمدنيّة والنهوض». شكرًا دولة الدكتور معروف البخيت.