موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الخميس، ٢٥ يوليو / تموز ٢٠١٩

كلمة المدبر الرسولي في مؤتمر القانون الكنسي السنوي الثامن

جانب من افتتاح المؤتمر

جانب من افتتاح المؤتمر

البحر الميت :

 

فيما يلي كلمة المدبر الرسولي للبطريركية اللاتينية رئيس الأساقفة بييرباتيستا بيتسابالا في افتتاح مؤتمر القانون الكنسي الإقليمي الثامن للمحامين المزاولين لدى المحاكم الكنسية في منطقة الشرق الأوسط، والتي ألقاها نيابة عنه المونسنيور حنا كلداني:

 

بكل فرح وسرور ارحب بكم في ضيافة البطريركية اللاتينية الاورشليمية، وبفخر واعتزاز أعلن عن افتتاح الدورة الثامنة لمؤتمر القانون الكنسي. الذي يعقد في الاردن، هذا البلد المضياف الجميل. فهذا هو المؤتمر الخامس الذي يعقد في الاردن. وامل يوما ما ان نستضيفكم في البطريركية اللاتينية في القدس، والقدس مدينة السلام، ونصلي لله ليحل السلام والوئام في ربوعها.

 

قبل ثلاث سنوات عندما استلمت مهامي كمدبر رسولي للبطريركية اللاتينية، فان اول عمل قمت به كان افتتاح المؤتمر السادس الذي عقد هنا في البحر الميت. والان بعد ثلاث سنوات نحتفل معا بانعقاد المؤتمر الثامن الذي يشكل لوحة فسيفسائية جذابة تمثل الكنائس الكاثوليكية في الشرق الاوسط، وكأن مؤتمركم هذا عبارة عن سينودس عام للمحاكم الكنسية في هذه المنطقة. لقد رأينا ان هذا المؤتمر يتطور وينمو، ليس في مشاركة الكنائس الكاثوليكية في منطقة الشرق الاوسط وحسب، بل في أثر المؤتمر لخدمة الاهداف الراعوية والقانونية وفي خدمة العدالة، متعاملا ومناقشا كل انماط التحديات والمشاكل الزوجية، وداعيا الى المصالحة ولا سيما مع زيادة عدد القضايا الزوجية المعروضة على المحاكم الكنسية وخصوصا قضايا بطلان الزواج.

 

إن هذه جمهرة مميزة من الحضور وتشمل الاساقفة والكهنة والقضاة الكنسيين والمحامين وعددا من المؤمنين المهتمين بموضوع المؤتمر. إن كل هذه الفئات المشاركة مهمة ولها دور جلل، كل منها حسب دوره وواجباته واختصاصه، في جو من الوحدة والتعاون في خدمة العدالة والانصاف في سبيل البحث عن الحقيقة والحق بالتعامل بكل احترام مع تعليم الكنيسة الكاثوليكية ورؤيتها حول كرامة الزواج كسر مقدس.

 

ان عملكم كقضاة ومحامين وموظفين في المحاكم الكنسية هو جزء من رسالة الكنيسة الراعوية. اما غايتكم وهدف عملكم القانوني كما جاء في مجلة الحق القانوني في كل الحالات المعروضة على محاكمكم هو "خلاص النفوس". ولذلك فان سعيكم هذا هو جهد ورسالة في غاية الاهمية والمسؤولية. فقداسة البابا فرنسيس يسميكم ويصفكم بـ"خدام سلام الضمير" اي ان يكون القاضي والمحامي الكنسيين على مستوى ضميرهما الذاتي في حالة انسجام ووفاق مع الحق والعدالة اثناء التعامل مع القضية الزوجية، وكذلك يساق الامر عينه على اطراف القضية، اي الزوج والزوجة. انكم على وشك الشروع في رحلة طويلة من التفكير والحوار، واشعر باهمية ذلك وضرورته.

 

واشير عليكم ان تلتفتوا الى بعض النقاط الرئيسة في مهامكم كقضاة ومحامين عاملين في حقل الرب. فقد قال قداسة البابا فرنسيس في لقائه السنوي مع المحكمة الروتالية الرومانية (ساكرا روتا) ما يلي: "اننا ننظر الى رسالتكم كخدمة في سبيل الوصول الى ضمير ينعم بالسلام. ويتم ذلك بضمير قضائي سليم، كما هي الحال في صيغة اصدار قراراتكم التي تقيّم على انها قرار حسب الضمير، وضمير مطمئن في صوابية ومصداقية قراراته". وبعد ان تأملت وتمحصت كلمات قداسته اختصر اليكم بعضا من اقواله وتوصياته:

 

1) الضمير: ان العدالة والانصاف يسيران جنبا الى جنب. وبدون ضمير حي يعمل بوحي من الروح القدس قد يتعرض كل واحد منا الى غواية واغراء في اي لحظة، فتتجه ضمائرنا الى خدمة اهدافنا وظروفنا. فبارشاد الايمان وقدرة الصلاة ونعمة الروح القدس نستطيع ان نرفض التجربة والاغواء من الظروف المحيطة بنا، فناخذ القرار حسب مشورة الضمير السليم. فيغدو انذاك قرارنا حسب الضمير السليم رسالة حقيقية في حضن الكنيسة.

 

2) الحق: قال ربنا يسوع المسيح "أنا هو الطريق والحق والحياة" واذكركم بشعار مؤتمرنا هذا وهو "العدل ثمرة الحق" ولذلك أحثكم واحرضكم بشدة ان تبحثوا دوما عن الحق كما هو مذكور في صلاة المحامين التي اعدتها المحكمة الكنسية في القدس، وجاء فيها: "أيها الرب الهي طلبا لمجدك وسعيا لتحقيق العدالة، اجعلني جديرا بالثقة حريصا في دراسة القضايا، دقيقا في التحليل صحيحا في الاستنتاج، متمكنا في الحجة امينا لموكلي صادقا مع الجميع مهذبا تجاه الخصوم دائم الاصغاء الى صوت الضمير". فالحياة المسيحة هي في نهاية المطاف قائمة على الايمان والصلاة. وهذا الموقف المسيحي، اي الايمان والصلاة يشكلان الركيزة الاساسية لاكتشاف واظهار الحقيقة قولا وفعلا. فنصل حينذاك الى الحرية الداخلية التي تنمو في فضاء الحق، على حد قول الرب يسوع: "تعرفون الحق، ان الحق يحرركم".

 

3) المعرفة: إن المعرفة القانونية المهنية تقوي ايماننا وتسند ضميرنا، ولذلك فان التعلم الدائم للقضاة والمحامين والاطلاع على كل جديد في الثقافة القانونية وعلى الدراسات اللاهوتية والتعليم الآبائي يشكل سلاحا فاعلا ووسائل ناجعة في ايديكم في معالجة القضايا المعروضة عليكم. فعليكم الاطلاع على والتوسع في الدراسات والابحاث حول قدسية الزواج ، فتتعاملوا في حينه مع القضايا الزواجية بكل كرامة وقدسية، وليس كقضية عابرة، يكون فيها الاطراف عبارة عن زبائن عاديين يلجأون الى مكاتب المحاماة.

 

4) البعد المالي: لقد قال السيد المسيح: "كونوا رحماء كما ان اباكم السماوي هو رحيم". فادعوكم ان تكونوا رحماء في التعامل مع العائلات التي تعاني ازمات في علائقها الزوجية، والتي تسعى اليكم للحصول على الدعم القانوني. فرافعوا مجانا في قضايا من يأتي اليكم ولديه عسر مالي. ولا تتركوا الناس المعسرين المحتاجين دون عون قانوني. وافرضوا رسوما واتعابا معقولة وعادلة على من يستطيع ذلك.

 

5) الخاتمة: اننا كرعاة للنفوس نعلم ان عائلاتنا اليوم تواجه الكثير من التحديات مثل التأثير الذي قد يكون مضرا احيانا للعالم الرقمي الديجاتالي ووسائل التواصل الاجتماعي. مما يؤدي ان القيم العائلية التقليدية تواجه مخاطر جمة. في مواجهة هذا الواقع ندعوكم ان تكونوا قضاة ومحامين جيدين مميزين نافعين، كلكم خير وبر. فلا يكفي ان تعرفوا القانون والتعليمات ولكن عليكم ان تؤمنوا بروح هذا القانون الذي هو ترجمة لتعليم الانجيل وروحانيته، فتغدوا بذلك شركاء الكنيسة في رسالتها الخلاصية. ونؤكد في هذا السياق ان ضمائر المؤمنين الذين يعانون صعوبات زواجية لا تستثنى من نعمة الله وفعاليتها في النفوس. وتحقق هذه الغاية في المرافقة الراعوية وتمييز الامور حسب ما توصي به الرسالة البابوية "فرح الحب". ويترجم ذلك في سعي المحاكم الكنسية بان يتم عملها في جو يتميز بالحكمة والبحث عن الحقيقة.

 

واسمحوا لي اخيرا وباسمكم جميعا ان اتقدم بالشكر الى المحاكم الكنسية في البطريركية اللاتينية التي اعدت هذا المؤتمر، ولا سيما الى قدس الأب الدكتور جهاد شويحات واللجنة المنظمة التي شارك فيها الآباء اميل سلايطه، شوقي بطريان، مجدي سرياني، اكثم حجازين همام خزوز والاستاذ خضر حبش. فقد قاموا جميعا بروح الفريق الواحد باداء وجهد مميزين، ننعم بنتائجه التي وصلت الينا جميعا بشكل لقاء قانوني في غاية الرقي والعلمية والتميز بفضل جهودهم وتضحياتهم. واشكر كل ضيوفنا الذين اتوا الينا من قريب وبعيد، وتحملوا أعباء السفر الى اردن الخير والامن والامان، بلد المعمودية والمعمدان، مرحبا وشاكرا شركائنا الدائمين من الجامعة اللاطرانية البابوية وعلى رأسهم البروفسور اروبا كونده ورفقائه. واسلم عليكم جميعا.