موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الخميس، ٩ مايو / أيار ٢٠١٩

البابا بندكتس: عشر سنوات على زيارتنا

الاب د. رفعت بدر :

تصادف هذه الايام الذكرى السنوية العاشرة لزيارة الحج التاريخية التي قام بها البابا بندكتس السادس عشر إلى الأرض المقدسة، مبتدئًا من الأردن ففلسطين. ما زالت الذاكرة رطبة بأحداث الزيارة، من الكلمات الرئيسية في مطار عمّان من البابا والملك عبدالله الثاني الذي كان قبلها بتسع سنوات قد وقف مستقبلاً بابا اليوبيل الكبير يوحنا بولس الثاني، وشارك في جنازته بعد وفاته في نيسان 2005، وزار البابا بندكتس مهنئًا في أيلول من العام ذاته. إنها ردّ الزيارة الوديّة من البابا الالماني المفكر راتسنغر للملك الهاشمي الحكيم. وتمحورت زيارة البابا قبل عقد من الزمن حول تقوية العلاقات الدبلوماسية الأخوية بين الحاضرتين الهاشمية والبابوية، وثانيًا كانت لتعزيز المواقع الدينية الأثرية في الأردن مثل زيارة جبل نيبو حيث كانت البازيليك (أو الكنيسة) تحت أعمال الترميم، وكذلك موقع المعمودية المغطس، حيث وضع حجر الأساس للكنيسة الكاثوليكية (كنيسة عمّاد السيد المسيح)، وزاد من فخر الناس وفرحهم حضور جلالة الملك عبدالله الثاني وجلالة الملكة رانيا العبدالله. كما جاءت الزيارة في شقها الأردني لتعميق دور المؤسسات الكنسية في خدمة المجتمع الأردني بدون تمييز، من خلال زيارة بندكتس لمركز سيدة السلام حيث التقى بجماهير حاشدة من الشباب ومن الأطفال نزلاء المركز وذوي الإعاقات. وكذلك من خلال وضع ومباركة حجر الأساس لجامعة مادبا، التي سميت فيما بعد بالجامعة الأميركية في مادبا. ومن نقاط الأهمية، صلاة البابا في كنيسة القديس جوارجيوس للروم الكاثوليك، ولقاؤه مع مختلف الكنائس والجمعيات الرهبانية. وقداسه الحاشد في ستاد عمّان الدولي، دون أن ننسى ما لزيارته وكلمته في مسجد الحسين بن طلال من أهمية قصوى في تعميق العلاقات الإسلامية المسيحية في الأردن والعالم. وبعد زيارة الأردن، تكمن أهمية زيارة النهر من الجهة الأخرى، ووقوف البابا عند العتبات المقدسة في فلسطين: في بيت لحم وفي القدس الشريف وفي الناصرة، وفي مخيم الدهيشة للوقوف عن كثب مع معاناة الشعب الفلسطيني الذي ما زال تائقًا لفجر العدالة والاستقلال، ولم تكن دبلوماسية الفاتيكان، او الكرسي الرسولي، بغائبة عن معاناة هذا الشعب الشقيق. يحدو كاتب السطور فخر بانّه كان ناطقا اعلاميا لثلاث زيارات بابوية، وقد جاءت الزيارة البابوية الثالثة إلى الأرض المقدسة في أوضاع إقليمية ودولية معقدّة، ضمن سياسات محاولة القضاء على الإرهاب، وقبل سنوات مما يسمّى بالربيع العربي، وكلاهما: الحرب على الإرهاب وثورات الربيع، قد أحدثتا دماء كثيرة وهجرتا العديد من المسيحيين من الشرق الأوسط، الأمر الذي جعل البابا بندكتس يدعو وبشكل عاجل غداة زيارته الى الارض المقدسة إلى اجتماع شامل لمسيحيي الشرق الأوسط، وهو ما سمّي بسينودس الكنيسة في الشرق الأوسط، وثمرته الموقعة في لبنان في أيلول 2012، بعنوان: الإرشاد الرسولي، وفيه صرّح بل صرخ البابا: «إنّ الشرق الأوسط بدون، أو بعدد قليل، من المسيحيين، ليس الشرق الأوسط». وكذلك: «يجب الانتقال من مرحلة التسامح الموجودة بشكل نسبيّ إلى مرحلة الحرية الدينية»، ذلك أنّ هذه الحرية هي «تاج الحريات كلها». آثر البابا بعد ذلك الاعتكاف للتفكير والصلاة، فقدّم استقالته، وأتى البابا فرنسيس الذي زارنا أيضًا قبل خمس سنوات، وسنعود إلى زيارته في وقتها مع نهاية هذا الشهر. إلا أن زيارة البابا بندكتس قد بقيت محفورة في الذاكرة بأنها واحدة من أهم المحطات التاريخية في بلادنا المقدسة.