موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الخميس، ٢ مايو / أيار ٢٠٢٤

خميس الأَسرار

بقلم :
بسام دعيبس - الأردن
نسجد لك يا رب ونستغفرك تائبين فاقبل توبتنا وارحمنا.

نسجد لك يا رب ونستغفرك تائبين فاقبل توبتنا وارحمنا.

 

يليق بنا كمؤمنين ان نتأمل بالاحداث العظيمة التي تمت في مثل هذا اليوم المقدس خميس الاسرار

 

 *اكل يسوع الخروف الفصحي مع تلاميذه في علية صهيون

 *غسل ارجل تلاميذه ...

* وضع سر القربان محولا الخبز والخمر الى جسده ودمه ...

 *قدم اول قداس وناول تلاميذه لاول مرة ...

 *رسم الرسل اساقفه ووضع سر الكهنوت ...

 *انشا ذبيحة القداس ...

* ودع تلاميذه بعد العشاء بخطابه الشهير المحتوي على وصايا متعددة ...

 *صلى صلاة كهنوتية من اجل جميع الذين سيؤمنون به ...

 *تآّمر يهوذا مع الفريسين على تسليم يسوع ...

 *صلى يسوع في بستان الزيتون ونازع وعرق دما ...

 *سلم يهوذا يسوع لاعدائه بقبلة ...

 *اليهود قبضوا على يسوع وساقوه الى محكمة حنان وقيافا ...

 *يسوع قضى باقي ليلته في سجن قيافا

 

كلها احداث عظيمة تستحق التوقف عندها والتأمل بها، واستخلاص العبر، وتكثيف الصلاة والسهر. لكن دعونا نتأمل في بعض هذه الاحداث والاسرار، وهي غسل الارجل، وسر الافخارستيا (القربان الاقدس)، وسر الكهنوت.

 

 

غسل الارجل

 

السيد المسيح قدم اعمالا عظيمة منذ بداية خدمته، وها هو الان وقد اقترب وقت رحيله منطلقا نحو الاب السماوي، يقدم لنا دروسا في الخدمة والبذل والحب الى المنتهى ٠٠٠ فقام عن العشاء ولا شك أن التلاميذ تفرسوا فيه، ماذا عساه ان يفعل، وإذ به يخلع ملابسه وربما كان ذلك الثوب المنسوج كله بغير خياطة، وغالبا هذه هى الثياب عينها التى اقتسمها الجنود عند الصليب. وأخذ منشفة، وهذه المنشفة هي التي كان يلبسها العبيد والخدم عند قيامهم بخدمة أسيادهم. فيا له من منظر رائع، بهر التلاميذ ويوحنا الذى يصفه لنا بكل دقة ووضوح، وإتزر بها ثم صب ماء، وأبتدأ يغسل أرجلهم ويمسحها بالمنشفة،

 

 كان بامكان يسوع أن يغسل الأرجل ويكلف أحدهم بمسحها أو يعاونه فى هذه الخدمة أو في بعضها، إلا أنه رضي أن يقوم هو وحده بهذه الخدمة بكل أركانها حتى متى جاء الوقت المبارك على الصليب يقول لله الآب كل ما أمرتني به عملته.  انه بتواضعه مارس عمل العبيد بغسل اقدام التلاميذ، وهو بذلك يكشف لنا عن بر التواضع وهو القائل ليوحنا المعمدان يليق ان نكمل كل بر... فمن يجسر ويحتل هذا المركز يا غاسل اقدام التلاميذ المتسخة من الاتربة، واقدام البشرية الملوثة بالكبرياء!

 

تعال ايها الرب يسوع واغسل اجسادنا ونفوسنا وانزع منا كل دنس وخطيئة، وعلمنا درسا عظيما في التسامح والغفران والمحبة والتواضع ، وعلمنا كيف نغسل اقدام اخوتنا المسيئين الينا بفرح وتهليل، واسمح لقلوبنا ان تمتلىء بحبك، وبذلك نستطيع ان نغسل كل تصرف شرير، وان تتسع هذه القلوب للجميع.  طهرنا بالماء والروح في المعمودية لنرى العالم كله طاهرا ولتبقى يداك تغسل خطايانا ، ولا تجعل الظلمة التي اخترقت قلب يهوذا تخترق قلوبنا، واجعلنا كبطرس نشتاق اليك ونتبعك اينما ذهبت. املك على قلوبنا وكن لنا سندا.

 

 

سر القربان الأقدس (الافخارستيا)

 

هناك تسميات كثيرة لسر القربان الاقدس، ومنها الافخارستيا التي تعني صلاة الشكر والحمد لله الاب، والاشادة بأعماله، وكأس البركة، وكسر الخبز ، وكلها تذكرنا بهذه الليلة المباركة والعشاء الأخير على مائدة الرب. خذوا فكلوا هذا هو جسدي، خذوا فاشربوا هذه الكأس هي كاس دمي للعهد الجديد الذي يراق من اجلكم ومن اجل الكثيرين.

 

هذه كلمات السيد المسيح الى تلاميذه في الليلة التي اسلم فيها، وفي العشاء الفصحي الاخير، حيث اراد ان تستمر ذبيحة الصليب على مر الاجيال الى يوم مجيئه، هذه هي وليمته الفصحية، ذبيحة جسده ودمه الافخارستية، حيث تحول الخبز بين يديه الى جسده، والخمرة الى دمه، وحيث اوصى تلاميذه بسر تقوي، وبعلامة وحدة ورباط محبة، بان ياكلوا جسده ويشربوا دمه،

 

ولم يدركوا في حينه انها كانت مناولتهم الاولى، وانهم بهذه الطريقة السرية اي المناولة اتحدوا بيسوع اتحادا حقيقيا وليس اتحادا رمزيا، فجسد المسيح في القربان الاقدس ليس جسدا ميتا، ودمه ليس دم انسان فارق الحياة، وان السيد المسيح بهذه الطريقة يكون قد اعطاهم ذاته الالهية بحب الهي لا حدود له، كما اعطانا من بعدهم نفس العطاء السخي والفصح الجديد، حينما قال لهم اصنعوا هذا لذكري،

 

الامر الذي يدعونا الى ان نميز دوما جسد ودم المسيح، وان نتحد بالرب بحب وتقوى ومن هنا نستطيع ان نقول ان سر القربان الاقدس (الافخارستيا) هي منبع الحياة المسيحية وقمتها، وانها كنز الكنيسة الروحي باجمعه، كما انها تمثل شركة الحياة مع الله، ووحدة شعب الله، وبالتالي تمثل قوام الكنيسة التي ارادها الله، كما انها قمة العمل الذي يقدس به الله العالم بالمسيح، وهي ذروة العبادات التي يرفعها الناس الى المسيح ومن خلاله الى الاب والروح القدس، انها تعني اتحادنا بالسماء، وبها نستبق الحياة الابدية،

 

 

سر الكهنوت

 

كم هو عظيم سر الكهنوت فهو تاج الاسرار، وكم هي عظيمة مهمة الكهنة، وعظيمة رتبتهم، فلقد اعطي لهم ما لم يعطى للملائكة، فان سلطة اقامة الذبيحة الالهية وتقديس جسد المسيح ودمه، اعطيت للكهنة فقط الذين حصلوا على سيامة الكهنوت الشرعية في الكنيسة فالكاهن هو خادم الله والاب الروحي للمؤمنين، يستعمل كلام الله، بأمر الله وترتيبه، ولكن الله هو العامل الاهم الذي يخضع كل شيء لارادته، وكل شيء يطيع امره،

 

فعليك ايها الكاهن ان تصدق الله القدير اكثر من حكمك الذاتي، ولا تدنو من هذا السر الا بتهيب واحترام ، عليك ان تلاحظ نفسك، وان تنظر الى من هو صاحب الخدمة التي وكلت اليك بوضع يد الاسقف حتى اصبحت كاهنا مقدسا لاقامة الذبيحة،

 

احرص ايها الكاهن على ان تقرب لله الذبيحة باوانها وبايمان وتقوى، وان تحفظ نفسك بغير لوم، آخذا بالاعتبار انك لم تخفف حملك بل اصبحت مقيدا بوثاق من النظام اشد احكاما والتزاما،  واصبح واجبا عليك البلوغ الى قداسة اعظم، متحليا بجميع الفضائل ، بحيث تكون قدوة للاخرين ومثالا للسيرة الصالحة

 

ايها الكاهن المتشح بالاثواب المقدسة، انت تنوب عن المسيح، عليك ان تتوسل الى الله بالحاح وتواضع عن نفسك وعن جميع الشعب، فنهجك ليس نهج الرعاع والعامة، بل نهج الملائكة في السماء او اهل الكمال على الارض، انك تحمل الصليب لتتذكر الان المسيح بلا انقطاع، ولتحتمل بوداعة من اجل الله جميع المعاكسات التي تلحق بك من قبل الآخرين

 

ايها الكاهن اعلم انك أُقمت وسيطا بين الله والخاطىء، لتندب خطاياك الخاصة اولا، ولتبك بالشفقة خطايا الاخرين ايضا، فلا تفتر عن الصلاة وتقديم الذبيحة المقدسة حتى استحقاق النعمة والرحمة، واعلم ايضا انك عندما تقدس تكرم الله وتفرح الملائكة وتبني الكنيسة وتساعد الاحياء، وتوفر للاموات الراحة وتجعل نفسك شريكا في جميع الخيرات

 

 يا رب… اعضد جميع الكهنة، لكي يستطيعوا ان يخدموك وهم مؤهلون بكل ايمان نقي وضمير صالح، ولنصلي من اجلهم كما هم يصلون من أجلنا. واخيرا لنتواضع تحت يد الله القديرة ليرفعنا، ولنقبل على سر الاعتراف بخطايانا، لنتناول جسدالرب ونشرب دمه ونحن في تمام الاستحقاق، وان نحترم الكهنه ونجّلهم، وان نشجع ابنائنا للالتحاق بسر الكهنوت.

 

ايها الرب يسوع: ساعدنا نحن البشر كي لا نخونك، والا تكون علاقتنا بك مادية كيهوذا، والا تقوم على المصلحة الشخصية كبيلاطس، ومتقلبة كالشعب اليهودي، وألا ننكرك كما انكرك بطرس، والا نهرب كما هرب التلاميذ، بل زدنا ايماننا وثباتا، واجعلنا نحمل الصليب ونتبعك حيث يكون المعلم يكون هناك التلميذ.

 

نسجد لك يا رب ونستغفرك تائبين فاقبل توبتنا وارحمنا.